بقلم — مروان عبدالعزيز
تعلمنا نحن الصحفيين أن لا نعول ولا نتعامل ولا نتعاطى مع أي خبر مجهول المصدر، وأن تكون المصادر ليست على علاقة ببعضها، حتى لا تنقل إليك مجموعة آراء تمثل نفس وجهة النظر، وأن نتأكد أيضاً من مصدر آخر ليس له علاقة بالمصدر الذي أورد إليك المعلومة، إلى جانب عدة إجراءات أخرى بعد اتباعها يصبح بين يدينا خبراً حقيقياً ملموساً يمكن التعاطي معه ونقله إلى الجمهور.
دعنا ندخل سريعاً في صلب الموضوع، لعلك عزيزي القارئ تابعت، أمس، ما وقع في سيناء من هجمات إرهابية استهدفت نقاط تفتيش للجيش المصري، قال عنها المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية إنها أوقعت 17 شهيدا من رجال الجيش المصري، وقعت في الساعات الأولى من صباح الأربعاء!
سريعاً بدأت صفحات "الفيس بوك" و"تويتر" فى ننقل الأخبار بشكل هستيري، ووسائل إعلام غربية أول المنابر المعروفة التي تناقلت أخبار الهجمات.
غالباً ما يحدث ذلك في هذه الحالات، وليس في مصر فقط، ولكن في أي دولة أخرى من دول الوطن العربي، وتبدأ الوكالات الغربية التي تعتمد بشكل رئيسي على صيتها الذائع في نقل تلك الأخبار بشكل عاجل ومتتابع، ولكن دائما ما تقع هذه المنابر في أخطاء شائعة لا يقع فيها مبتدئ في عالم الصحافة، وربما عن قصد.
في بلدان العالم الثالث، غالبا ما يقع الجمهور فريسة لمثل تلك المنابر الإعلامية التي تعمل على نقل الأخبار، إلى جانب ما بات يعرف باسم "الإعلام الجديد" أو إعلام وسائل التواصل الاجتماعي، وهو عبارة عن حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تعبر عن كيانات "غالباً ما قد تكون وهمية أصلاً"، وتبدأ في نقل الأخبار التي غالباً لا يكون لها أي أساس من الصحة، ولكنها تعكس وجهة نظر صاحب الحساب وتعبر عن توجهاته وتنقل رغباته الشخصية وما يريد نقله للجمهور، وتتقابل رغبته هنا مع رغبة الجمهور وظمأه تجاه معرفة ما الذى يحدث.
ويزيدها الشُح الأخباري من المصادر الرسمية، وهو ما يجعل هذا المتلقي فريسة لمثل تلك الكيانات، وتبدأ عمليه تلقينه أي خبر أو وجهة نظر تريدها تلك الكيانات.
وبما اننا نتحدث هنا عن سيناء فدعنا نري ما حدث، الحوادث وقعت بشكل متزامن، بداية من الساعة السادسة وعشرين دقيقة نهار الأربعاء، فورا إنطلقت عدة منابر في نقل الأخبار، ودار الحديث حول 3 عناوين رئيسية؛ الأول "سقوط أكثر من 60 قتيلاً من الجيش المصري في الهجمات، الثاني، سيطرة الجماعات الإرهابية على مدينة الشيخ زويد شمالي سيناء، والثالث، الجيش المصري لا يستطيع الدخول إلى الشيخ زويد بعد احتلالها من الإرهابيون. تلك العناوين كفيلة وحدها بأن تسقط الشعب المصري بأكمله في هوة الإحباط والتخيلات بأن بلادهم ضاعت و"داعش" باتت على بعد كليو مترات من القاهرة.
بقراءة متأنية لمثل تلك العناوين، التي سرعان ما نفاها الجيش المصري، وبدأ فى توضيح الموقف وحقيقة الحرب "البطولية" التي خاضها ضد العناصر الإرهابية الخسيسة وقتل أكثر من 100 منهم، موثقاً تصريحه بصور العمليات، هنا تجد أن رواية هذه المنابر غير صحيحة وتعرف سريعا مصدرها "الطرف الثاني"، المصادر تابعة للجماعات الإرهابية، وبدأت تحقق من خلالها تلك الأخبار الرواج والسبق والنفاذ إلى عقل الجمهور وقلبه.
وبرأيي ذلك يعود لأسباب رئيسية، أهمها أن تلك المنابر غالبا ما تكون أجنبية، وتعتبر بشكل رئيسي الوجهة الإعلامية المستهدفة من هذه الجماعات التي ترغب في نشر أخبارها عبر العالم بأكمله.
إلى جانب ذلك، فإن جزءاً كبيراً من تلك المنابر، التي غالباً ما يكون توجهها أصلا يجعلها تستهدف نقل أخبار تلك الجماعات ووضع الأمر تحت بند الإحترافية، وهنا تبدأ بشكل تدريجي في نقل وجهة نظر تلك الجماعات ورغبتها وما تريده أن يصل إلى الجمهور، وهنا يكمن الشيطان.
بعض الجهات لا تريد للدولة المصرية أن تعود إلى عافيتها، مستغلة في ذلك حاجة الجمهور للمعلومات حول ما يحدث في بلاده، وتبدأ اللعب على أوتار كارهي الدولة المصرية في الداخل والخارج. من جانبهم، يتعامل هؤلاء مع تلك الأخبار باعتبارها حقيقة لا جدال فيها، ثم ثم يتناقلوها ويتفاعلون معها، رافضين رؤية أي حقيقة، سماع أى رأى، حتى ولو كانوا موثقين بالصوت والصورة.
تطوير التعامل مع الإعلام، ونشر البطولات الحقيقية لأصحاب الأرض، أمر لا بد منه، مؤسساتنا يجب أن تفتح المجال في التعامل مع جمهورها، وأن تتعامل بكل شفافية مع وسائل الإعلام المحلية، حتى لا تترك شعوبها فريسة لمثل تلك الألاعيب، العديد من المدن والبلدان في الوطن سقطت بيد الإرهابيين عبر نشر الإشاعات وإذاعة الإحباط في قلوب شعوبها وجيوشها، وإدخالهم في دوامة الأخبار المغلوطة وعدم تصديق الروايات الحقيقية.
تفاصيل صغيرة قد لا يراها القارئ العادي تحدث في عمليات نقل الأخبار، ولكن غالباً ما "يسكن الشيطان في التفاصيل"، احذروا الشائعات فيها سم قاتل، واعلم أن لا شي يبقى سوى الأوطان.
(المقالة تعبر عن رأى صاحبها)