وفيما يقيم سياسيون ودبلوماسيون هذه الأبعاد، فإن التساؤلات المتداولة، في الصالونات السياسية في الأردن حاليا، هي "هل موقف الأردن مرشح للتعاظم في سورية؟ وهل تقوم المملكة باستباق الخطر المحدق بها؟"، و"ما هو التطور على المشهد السوري الداخلي، الذي يمكن ان يغير الموقف الأردني، الثابت منذ أربعة أعوام تجاه الأزمة السورية؟"
حضور طاغ
في إجاباته عن هذه التساؤلات، يرى نائب رئيس الوزراء الأسبق، أيمن الصفدي، ان الموقف في سورية يزداد صعوبة يوما بعد آخر، "ما يفرض مراجعة مستمرة لكيفية تحصين المملكة من تبعاتها، وخصوصا الأمنية منها"، مضيفا أن "كل المؤشرات تظهر أن هذا يحدث فعلا، بدليل النجاح الذي حققته استراتيجيات الدفاع والردع التي اعتمدتها المملكة".
وبرأي الصفدي، فإن الأردن لن يسمح بأن تصير المنطقة المجاورة لحدوده في سورية، منطلقا لأي تهديد إرهابي أو أمني له، "ومن هنا تطورت استراتيجية الردع، التي بانت نتائجها، في عدم تجذر حضور مؤثر أو طاغ للمنظمات الإرهابية مثل "داعش" فيها".
ويعتبر الصفدي أن تحليل الموقف الأردني إزاء الأزمة السورية، منذ بدايتها، وعبر مراحل تدهورها، يظهر بوضوح أنه "موقف عقلاني"، ارتكز إلى ثابت رئيس، وهو حماية أمن المملكة، وحدودها من أي تهديد أمني، والتقليل قدر المستطاع من انعكاسات الأزمة الاجتماعية والاقتصادية عليها.
أهداف توسعية
وزاد إأن الأردن "نجح في التصدي للتهديدات الأمنية، التي تتصاعد مع ما تشهده الجبهة الجنوبية من تطورات، عبر اعتماد استراتيجيات الدفاع، ومن ثم الردع، وحسب ما تفرضه متطلبات إبقاء الخطر الأمني خارج حدود المملكة".
وقد "تطورت الاستراتيجية الأمنية إذن، وفق المقتضيات العملية على الأرض، واعتقد أنها ستبقى تتطور لتحقيق هدفها ووفق طبيعة التهديدات التي ستطرأ" بحسب الصفدي.
ولكنه يؤكد هنا، انه لا يرى أي تغير في الهدف، لناحية تركيزه على حماية المملكة وأمنها، و"أن كل المعطيات تؤكد أن ما أشيع أخيرا، حول أهداف توسعية للمملكة، هي "تنظيرات لا تستند إلى أي حقائق، ولا تنطوي على أي صدقية".
وفي إطار محاصرة الأزمة، يمكن، حسب الصفدي، فهم الموقف الأردني الداعي إلى إيجاد حل سلمي، يحمي سورية وشعبها من الوقوع في فوضى أعمق، لن يستفيد منها إلا الإرهابيون، وستهدد أمن المنطقة برمتها.
ويختم الصفدي بقوله إنه "بالتأكيد لا يستطيع الأردن وحده، أن يغير مجرى الأحداث في سورية، التي صارت مسرحا لصراعات إقليمية ودولية"، لكنه "استطاع أن يحمي نفسه من تبعاتها الأمنية المباشرة، وأن يسهم قدر المستطاع في مساعدة شعبها. وهذا يؤكد نجاعة سياساته وجدواها".
مناطق فوضى
أما القيادي الإسلامي، ومنسق مبادرة "زمزم" الدكتور رحيل غرايبة، فيرى أنه في حال أصبحت الدولة المركزية المجاورة غير قادرة على ضبط حدودها، وأصبحت هذه الحدود ليست تابعة لها، وصارت بعض اجزائها خارجة عن سيطرتها، "فعلى الأردن حماية نفسه، عبر ضبط ومراقبة ما يجري على الحدود بالتنسيق مع اي جهة تكون صاحبة السيادة حينها على الحدود".
وأشار إلى أن الأردن لا يتخذ قرارا وحده في هذه الحالة، بل ان المسألة تصبح اقليمية ودولية، فستكون "مناطق خاضعة للفوضى، وليس هناك من يضبطها، وهنا على الأردن ان يكون جزءا من معادلة اقليمية دولية، لوقف الفوضى على الجانب الحدودي، حتى لا يتحمل العبء وحده".
وأوضح غرايبة، في هذا الصدد، أن استراتيجية الأردن التي يجب اتباعها، هي حماية شعبه وحدوده وعدم التدخل بالشأن الخارجي لأي دولة، لكن هذا الأمر يختلف "اذا اقترب الخطر من الحدود، فلا بد من وجود احتياطات كافية، كي لا يكون لـ"داعش" القدرة على اختراق الحدود بأي وقت".
لذلك، يعتبر غرايبة أن التواصل مع بعض الأطراف القريبة من الحدود، سواء أكانت عشائر ام غيرها، يعد "عملا احتياطيا لحراسة الحدود الأردنية، وليس من باب التدخل في شؤون الدول الخارجية".
العازل الأردني
من جانبه، يشير الكاتب والمحلل السياسي محمد ابو رمان، إلى أنه لغاية الآن، فإن هناك عملية سيطرة على التأثيرات الأمنية والعسكرية للأزمة السورية على الأردن، إلا انه "اذا اختلف مستوى التحدي الأمني والعسكري، بمعنى أن تزداد محاولات التسلل، ويزداد القلق من قذائف تصل الأردن، ومن تدفق عشرات آلاف اللاجئين نتيجة الصراع في الجنوب، فهذا بالتأكيد سيدفع الأردن لتغيير مقاربته".
وتابع، أن هناك معركة محتدمة في سورية، وإذا ما ازدادت وتيرتها، وخلقت احتمال تدفق مزيد من اللاجئين، فإن الأردن "سيكون معنيا بتغيير مقاربته بالتعاطي مع الأزمة، إما بزيادة دعمه للجيش السوري الحر بشكل كبير وعلني، وإما بالتفكير، مثل الأتراك، بشريط عازل، بمشاركة الحلفاء مثل السعودية وأميركا ودول عربية".
وإذا وسعنا ما نراه في المشهد السوري، فإن الأهم هو التطور الاستراتيجي على الأرض، فـ"الأسد فقد المبادرة، وغالبا لم يعد قادرا على الصمود كثيرا، تحديدا في المناطق الجنوبية والشرقية المحاذية للأردن"، بحسب ابو رمان.
ويلفت الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية إلى وجود خشية كبيرة لدى الأردن والحلفاء من "اليوم التالي لسقوط الأسد، فالأردن يعنقد بضرورة بقاء النظام كمؤسسات ودولة لايجاد حل سياسي توافقي".
لكن الأمور تتطور بشكل مختلف، وقد يفقد النظام العاصمة دمشق، بأي لحظة، ويفكر بالساحل وبعض المدن مثل حماة وريفها، ومثل هذا السيناريو، سيؤدي لفراغ كبير في سورية، قد تنجم عنه صراعات بين الفصائل على النفوذ، و"الأردن لن يتورط بمثل هذه الفوضى، وغالبا سيعزز دعمه وإسناده لمجوعات معينة" يقول ابو رمان.