إقدام الرئيس الأميركي باراك أوباما على وضع إسرائيل خارج إطار الإجماع الدولي، فيما يتعلق بالاتفاق بين مجموعة (5+1) وإيران، لم تكن المسألة الأكثر حساسية لدى حكومة نتنياهو في قراءتها للخطاب الأخير الذي ألقاه أوباما في الجامعة الأميركية في واشنطن، رغم أنه تعمد ذكر إسرائيل بالاسم، في خطوة مقصودة أراد من خلالها، وفقاً لمحللين إسرائيليين، إرسال رسالة واضحة لتل أبيب مفادها أنها معزولة دولياً في الموقف من كيفية تسوية الملف النووي الإيراني، فكل دول العالم دعمت الحل الذي تمخض عن مباحثات مجموعة (5+1) وإيران، باستثناء حكومة نتنياهو التي بقيت مصرة على رفض المسار الدبلوماسي في التعاطي مع هذه القضية.
القراءة الإسرائيلية في أبعاد ما تضمنه خطاب الرئيس أوباما رأت فيه أنه تحول كبير وخطير في الخطاب السياسي الأميركي التقليدي تجاه إسرائيل، لم يسبق أن سار في ركابه أي رئيس أميركي، حيث تعامل أوباما مع نتنياهو كخصم سياسي يشاغب على السياسات الأميركية المنطلقة من المصالح العليا للولايات المتحدة، ووصل الأمر بالرئيس أوباما إلى السخرية من نتنياهو، بل ويرى محللون إسرائيليون أنه أبدى مشاعر احتقار له، ومن هؤلاء المحللين باراك رابيد، الذي قال معلقاً على خطاب أوباما: "في بعض الأحيان كان في الإمكان سماع نبرة احتقار لدى أوباما عندما كان يقلّد دون أن يعي ذلك صوت نتنياهو في خطاباته ضد الاتفاق وهو يردد: هذه صفقة سيئة، المطلوب صفقة أفضل..".
وأضاف رابيد، في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس بتاريخ 5 آب/ أغسطس، "وهو بذلك بعث برسالة واضحة مفادها أن نتنياهو تخطى خطوطاً حمراء في نضاله ضد الاتفاق النووي من خلال تدخله السافر في السياسة الأميركية الداخلية، ومحاولته أن يقدم نفسه على أنه يعرف أكثر من رئيس الولايات المتحدة ما هي مصالحها..".
وحفل خطاب أوباما بضربات غير مباشرة موجهة للحكومة الإسرائيلية، ونتنياهو شخصياً، إلى جانب صقور الحزب "الجمهوري" الأميركي الذين يدعمون مواقف نتنياهو حيال الاتفاق بين مجموعة (5+1) وإيران، فقد اتهم أوباما سلفه بأنه المسؤول عن نشوء المشكلة النووية الإيرانية، وكذلك عن زيادة ثقل الدور الإقليمي لطهران، حيث بدأت إيران بمشروعها النووي من الصفر في الولاية الأولى للرئيس بوش الابن، وفي نهاية ولايته الثانية أصبحت تمتلك آلاف أجهزة التخصيب، وبنتيجة الحرب على العراق كانت إيران هي المستفيد الأكبر.
كما حذَّر أوباما تل أبيب، واللوبي المؤيد لها في واشنطن، من أن الشعب الأميركي لن ينخدع بالحملة التي تشن ضد الاتفاق مع طهران، بل لن يسكت عنها، لأن لا بديل عن الاتفاق سوى الحرب مع إيران، وهو ما لا تريده الغالبية الساحقة من الأميركيين.
اللافت هنا أن الرئيس أوباما عبَّر بصراحة وشفافية عن أن مصالح الولايات المتحدة الأميركية لا تتطابق مع المصالح الإسرائيلية على المستوى الأمني الإستراتيجي، وبخصوص الملف النووي الإيراني كانت متعارضة تماماً، والدرس الذي أراد أوباما أن يعلمه لنتنياهو، حسب تقييم محللين إسرائيليين، يتلخص في أن على المسؤولين الإسرائيليين عدم نسيان أن الإدارة الأميركية تتصرف تبعاً لمصالح بلدها، حتى لو اصطدمت بمواقف مضادة من أقرب حلفائها، وربما هذه واحدة من القضايا الأكثر إزعاجاً بالنسبة لتل أبيب، التي كانت تتصرف على الدوام بكونها قادرة على التأثير جذرياً في القرار الأميركي، بدعوى أن المصالح متماثلة بين إسرائيل والراعي الأميركي.
وبصرف النظر عن النتيجة التي سيؤول إليها تصويت الكونغرس الأميركي على الاتفاق مع إيران فإن إسرائيل خسرت بالفعل، إذ لم تعد صورتها كما في السابق لدى الجمهور الليبرالي في الولايات المتحدة، بينما هي ليست قادرة على تحمل تبعات إثارة حرب جديدة في الشرق الأوسط، لا يستبعد أن تتحول إلى حرب شاملة، إدارة الرئيس باراك أوباما أكدت أنها لن تخوضها لتعارضها مع المصالح الأمنية الإستراتيجية للولايات المتحدة. وفي معسكر الرافضين لسياسات نتنياهو غالبية اليهود الأميركيين، الذين يصوتون تقليدياً للحزب "الديمقراطي" الأميركي.
ولعل من بين الرسائل، التي أرسلها الرئيس أوباما في خطابه الأخير لنتنياهو، التحذير من التدخل السافر في الشؤون الداخلية الأميركية، في إشارة إلى الخطاب الذي ألقاء نتنياهو أمام الكونغرس الأميركي لحثه على رفض الاتفاق مع طهرن.
وفي شكل عام، الخطاب منعطف كبير في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، يعتقد محللون إسرائيليون أنه يضع تل أبيب في ورطة شائكة، وستترتب بفعلها انعكاسات سيئة جداً على العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، بإشاعة أجواء سلبية غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الثنائية الأميركية- الإسرائيلية.