دمـشق — سبوتنيك — خالد غسان الخطيب
وبعد خمس سنين على الحرب في سوريا، أصبحت فرضية أن، من يعيش على الأرض السورية يعتبر هدفاً سخياً لآلة الموت، أمرً واضحاً.
هنا في دمشق الأمر لايختلف كثيراً، حتى ولو كنت تعيشُ بعيداً عن مناطق الصراع فلن تكون بعيدا عن سقوط "قذائف الهاون"، التي أصبحت من ضمن "الروتين" اليومي لأي شخص يعيش في العاصمة السورية.
لا توجد طريقة للأختباء منها، "إن أتتك"، ولا توجد طريقة حقيقية للحماية منها، لا إن جلست في منزلك ولا حتى إن تنقلت بسيارتك، فمن يعلم حال القذائف في دمشق يعرف أن أشخاصاً "زارتهم" في بيوتهم.
قذائف الهاون كابوس حقيقي في شوارع دمشق، لم تسلم منطقة أو مكان أو تجمع سكاني، وإحتمالية النجاة من شظاياها، تعتمد على "الحظ" من جهة، و"الحيطة الافتراضية " من جهة أخرى.
أصدقاء الهاون!
برز الهاون كسلاح مفضل لسهولة وسرعة إستخدامه من قبل المسلحين القاطنين في مناطق مُحاصرة خارجة عن سيطرة الدولة السورية، يبرز أهمها في الغوطتين الشرقية والغربية وفي أحياء جوبر والقابون شرقاً وداريا جنوباً.
يذكر أن أكثر من يتبنى إطلاق القذائف، ما تعرف بكتيبة "سيف الحق الدمشقي"، وتقطن في حي جوبر، وتتبع لما يعرف بـ "لواء الإسلام"، الذي صرح أكثر من مرة، أن القذائف تطلق "رداً" على كل الإعتداءات التي يقوم بها الجيش السوري.
أماكن مفضلة
جغرافية الحرب لم تكن لصالح سكان دويلعة وجرمانا وباب توما وضاحية الأسد وغيرها من المناطق المجاورة للغوطتين، وخصوصاً الغوطة الشرقية، التي تضم جوبر وعين ترما، القاعدة الأساسية لإطلاق الهاون، والتي تطال أماكن سقوطها دمشق وريفها بشكل كبير، حيث خسرت تلك المناطق، بسبب القذائف الكثير المتساقطة عليها، المئات بين شهيد وجريح ومصاب، ناهيك عن الأضرار المادية التي لا تعد ولا تحصى.
محاولة ردع
يقول "محلل عسكري لـ"سبوتنيك"، أن الهاون من الأسلحة الخفيفة والتي يسهل استعمالها وتجهيزها ويصعب تعقبها، بسبب إنتقال مطلقيها بين الأماكن المعدة للإطلاق بشكل سريع وبدقائق قليلة، والمشكلة الأكبر في تواجد المسلحين في المناطق القريبة والمحاذية للأماكن المراد استهدافها في دمشق.
ويقوم الطيران السوري الحربي باستهداف تجمعات الأرهابيين وأماكن إطلاق القذائف المتوقعة والأماكن التي يتم رصدها، هذا ويشير "المحلل" إلى عدم وجود دقة في إصابة قذائف الهاون لأهدافها، وهذا ما يجعل الأصابات عشوائية بنسبة كبيرة، والتي تختلف حسب اتجاه وسرعة الرياح، وحسب وزن قذيفة الهاون، التي يزيد مداها كل ما قل وزنها، وهو ما يقوم المسلحين بفعله دوماً لإيصال القذيفة إلى أبعد مكان مراد استهدافه في العاصمة.
حياة شبه طبيعية
رغم كل الخطر المحدق بأي شخص يعيش في العاصمة، ازاء كل المحاولات المتواصلة التي كانت وماتزال لتهجير الأهالي من المناطق التي يصفها المسلحون بأماكن موالية "للنظام السوري"، لم تستطع ولو بشكل جزئي أن تردع قاطنين دمشق من إستكمال حياتهم الطبيعية والروتنية اليومية المعتادة.
وفي إستطلاع خاص لـ"سبوتنيك"، يقول "طارق"، وهو أحد الأطباء المقيمين في دمشق، إنه "بعد أربعة سنوات من الحرب، بات سقوط الهاون مسألة عادية، فكثير من الناس يمرون بجانب القذائف ويكملون سيرهم، دون أي ردود أفعال، والأمر أصبح شيئاً مسلماً به".
ويضيف، "ثمة من يريد تبييض صفحته من المسلحين بالقول أنه يستهدف العاصمة، وهناك من يبرر له بكل تاكيد، فيما الحقيقة أن مئات المدنيين يسقطون يومياً نتيجة هذه القذائف، وشخصياً، نعم أتعمد البعد عن أماكن أعرف أن القذائف تستهدفها، كدمشق القديمة وباب توما، ولكني أعلم أيضاً أنني هدف لأي قذيفة طائشة في أي مكان، وربما وأنا اقول لكم هذا الكلام الآن".
بينما تقول "أفرورا"، الصحفية الميدانية، "عندما بدأت ظاهرة الهاون، كنا نخاف من كل صوت نسمعه أثناء سقوطها، أما الأن فنحن نعمل رغم كل المخاطر الآنية التي يمكن أن تلحق بنا جراء سقوط قذيفة متفجرة، والتي لا تميز بين أديان أو قناعات سياسية، أو بين كبير في السن أوصغير، أو تميز بين حاجز للجيش و مشفى أو حتى مدرسة".
أما "فاتنة"، إحدى سكان باب توما، المنطقة المحاذية لجوبر، تخبرنا، أنه "أصبحت قذائف الهاون أمر روتيني وطبيعي في حياتنا، قلقي الوحيد والدائم هو إمكانية إصابتي أنا أو أحد من أقربائي.. سقطت على الكلية الجامعية التي أدرس فيها شظايا أكثر من قذيفة، في الأشهر الماضية، وأكملنا امتحاننا رغم ذلك، فالقذائف اليوم لا تفرق بين مكان وأخر".
وفي ذاكرة السوريين بعض من إصابات القذائف التي لا تنسى، كسقوط القذيفة على حافلة كانت تقل أطفال، واستشهد على إثرها خمسة منهم، إضافة إلى استهداف الأماكن الدينية، كأصابة جدار الجامع الأموي في وسط دمشق، وأصابة أربع كنائس في باب توما.
الأرقام التي أجمع عليها المراسلون الميدانيون ومراكز الرصد تتحدث عن مئات القذائف التي تتساقط كل شهر على العاصمة، لتتصدر بذلك قائمة أكثر مدن العالم إصابة بالقذائف في الزمن الحالي.