يبدو أن العناصر الإرهابية تحاول نقل مسرح العمليات والمواجهة إلى المدن الكبرى، خاصة العاصمة، بعد ان أحكمت قوات الأمن من تضيق الخناق عليها في سيناء.
ولا يمكن النظر إلى ما تشهده مصر من إرهاب بمعزل عما يجري في المنطقة، خاصة ليبيا و سوريا، وما وصلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرار التعنت الإسرائيلي الرافض لحقوق الشعب الفلسطيني في إعلان دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومواصلة انتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، سواء عن طريق المسؤولين الحكوميين أو عن طريق الجماعات اليهودية المتطرفة في حماية الأمن الإسرائيلي.
كما لا يمكن تجاهل أن تزايد نشاط الجماعات الإرهابية في مصر، بعد سقوط حكم جماعة الإخوان، والتخطيط والتنفيذ، لم يعد قاصراً على الجماعة التي تتبنى مواجهة شريحة كبيرة من المجتمع الرافض للفاشية الدينية، وتؤيد إجراءات الدولة في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله، وسد الفراغ الأمني في المناطق التي تمثل بؤر الاٍرهاب في شبه جزيرة سيناء.
دفعت العمليات العسكرية، التي تخوضها القوات المسلحة المصرية في سيناء، والتعزيزات الأمنية في المنطقة، إلى فرار عناصر التنظيم إلى المحافظات المجاورة خاصة الإسماعيلية، الشرقية ـ شرق القاهرة ـ والدقهلية، والقليوبية، المنوفية ـ شمالاً ـ فضلا عن بعض المناطق بالقاهرة، إلى جانب مناطق بالجيزة وبني سويف وسوهاج، جنوباً ـ حيث لا توجد إجراءات أمنية استثنائية على خلاف تلك الموجودة في سيناء، الأمر الذي يسمح لهذه العناصر بسهولة الحركة وتنفيذ عمليات في مناطق مختلفة، ظهرت في استهدف أحد مقرات البعثة الدبلوماسية الإيطالية في مصر، ثم مقر الأمن الوطني في منطقة شبرا، ومن قبل مديرية أمن الدقهلية، شمال العاصمة، ومديرية أمن القاهرة، و غيرها من العمليات التي تمثل تحدياً عظيماً للشعب المصري وقيادته الجديدة.
ويظهر الإرتباط بين التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة، من خلال استهداف أجهزة الأمن، التي استطاعت أن تجنب مصر سيناريو الفوضى والعنف المخطط له من جانب الغرب وحلفائه من الدول الإقليمية، سعياً إلى خلق أنظمة ضعيفة يمكن التحكم فيها وفي سياستها في منطقة ما زالت تمثل أهمية استراتيجية للغرب ومصالحه، حتى وإن جاء على حساب السلم والأمن الدوليين.
ويؤكد الباحث في شؤون الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية، ماهر فرغلي، في حديث لـ "سبوتنيك"، أن العمليات الإرهابية التي تتعرض لها مصر، مرتبطة بما قال عنه "الهلال الإرهابي"، الذي يحيط بالبلاد، مشيراً إلى الإرهاب في ليبيا، ونشاط الجماعات المتطرفة في سوريا والعراق، الأمر الذي ساهم في خلق بيئة فاشلة ساهمت في انتشار الجماعات الإرهابية، فضلاً عن الظروف الاقتصادية المحبطة للشباب، إلى جانب فشل ثورات الربيع العربي، مما خلق بيئات حاضنة للجماعات الإرهابية في مصر.
وأشار إلى أن توقف العمليات الإرهابية في مصر مرتبط بتوقف نشاط الجماعات الإرهابية في ليبيا، سوريا والعراق، حيث العائدون من ليبيا وسوريا والعراق بمثابة قنبلة موقوته لا تهدد مصر فقط، بل المنطقة والعالم كله، إن لم يكن هناك مواجهة حقيقية لهذه الجماعات.
وشدد على أن الغرب يغض الطرف عما يحدث في ليبيا، ووجود معسكرات الجماعات المتطرفة في ليبيا يعني وجودها في مناطق أحياء القاهرة، كما ان استمرار نشاط المتطرفين في بلاد الشام يعني أن هذا كله سوف يرتد على الدولة المصرية.
تنتشر التنظيمات الإرهابية في أرجاء المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط وفي غرب القارة الأفريقية، وكلها خرجت من رحم تنظيم القاعدة المعروفة أهدافه وجدوى تحركاته وعملياته، وفي ظل صراع أمراء الجماعات على القيادة فيما بينهم، استطاع تنظيم "داعش" نشر أفكاره ورؤيته المتطرفة للإسلام واستقطاب آلاف من شباب دول مختلفة، فمنهم من يرحل بعيدا عن دياره وأهله للجهاد ـ بحسب اعتقاده ـ ومنهم من ينضم إلى أقرب الجماعات الناشطة في مجتمعه المحلي.
وجدت الجماعات المتطرفة في المناطق الفقيرة التي ينتشر فيها الفقر والجهل والمرض وتهميش شريحة كبيرة من الشباب، مرتعاً خصباً للترويج لأفكارها ورؤيتها المتطرفة للإسلام، مدعومة بسياسة غربية وآليات تعمل على نشر الفوضى في ربوع المنطقة وخلق واقع جديدة يخدم مصالحها، في الشرق الأوسط الكبير، والمشهد في ليبيا وسوريا والعراق واليمن يعكس حجم المخطط الذي يستهدف استقرار وأمن الشعوب العربية، وثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم.