تتصدر مشاهد الغرقى، والموتى اختناقاً في شاحنات، من المهاجرين غير الشرعيين نشرات الأخبار العالمية في الأسابيع القليلة الماضية، صور أطفال وشباب ونساء ورجال لفظتهم أمواج البحر إلى الشواطئ الليبية، والعشرات ممن قضوا اختناقاً في قعر مركب متهالك في البحر الأبيض المتوسط، أو في شاحنة على أحد الطرق السريعة في النمسا، الشاحنة مخصصة لنقل اللحوم المبردة، أو الموت دهساً بالقطارات وعلى الطرق، أو الموت جوعاً وعطشاً، ناهيك عن صور إذلالهم من قبل قوات الأمن في بلدان العبور، وحتى ما يلاقونه من سلطات دول تصنف نفسها كمدافعة عن الحرية، مثل النمسا وفرنسا.
أساطيل سفن الموت المتهالكة لم يوقف زحفها موت الآلاف ممن أبحروا فيها، الأمم المتحدة قدرت عددهم منذ بداية العام بما يقارب 2500 شخص لقوا حتفهم غرقاً، غير أن الأرقام الفعلية أكبر بكثير، كما لم يوقف تدفقهم تقطُّع السبل بعشرات الآلاف من المهاجرين في المقطع البري من رحلتهم، والإذلال الذي يمارس لحقهم، والمعاملة غير اللائقة التي يعاملون بها، وموت الكثيرين منهم، فهم تحت وطأة خسارتهم للأمان والعيش الكريم في أوطانهم، وفي الوقت عينه تحت تأثير حلم الوصول إلى جنة مفترضة في الغرب الأوروبي.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تزايد أعداد المهاجرين السوريين واللاجئين الفلسطينيين بنسبة كبيرة، السبب فيها يعود إلى تدهور أوضاعهم في مناطق لجوئهم، في دول الجوار، نتيجة تراجع المنح الدولية المخصصة لمساعدتهم، فوفقاً لتقرير صادر عن المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لم تف الدول المانحة سوى بـ50% من الالتزامات التي تعهدت بها، وهو ما اضطر المفوضية إلى إلغاء مساعدات عشرات آلاف الأسر، وتقليص حجم مساعدات من تبقى منها إلى الثلث تقريباً، والتحذير من أنها ستوقف كل المساعدات نهائياً بنهاية العام الجاري.
وفي السياق ذاته؛ تراجعت المساعدات الطارئة التي كانت تقدمها "الأونروا" للاجئين الفلسطينيين في سورية، وامتد عجز التمويل فيها ليطال الخدمات الأساسية والرئيسية التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان والأردن وقطاع غزة والضفة الفلسطينية، منذ عشرات السنين، مثل التعليم والخدمات الصحية ودعم البنية التحتية للمخيمات.
كل ذلك ، بالإضافة إلى القيود المفروضة على اللاجئين السوريين، واللاجئين الفلسطينيين من قبل دول اللجوء، ومنعهم من دخول غالبية الدول العربية، والخوف من تطورات داخلية تركية، تصب في جانب منها في غير صالح اللاجئين السوريين في تركيا، كان دافعاً لسعي أعداد أكبر من اللاجئين إلى محاولة الهجرة إلى أوروبا الغربية.
ومن هذه الزاوية يتحمل المجتمع الدولي، ولاسيما الدول الغنية، مسؤولية كبيرة في خلق تعاظم مآسي المهاجرين غير الشرعيين، بتقاعس المجتمع الدولي عن مساعدتهم وتوفير الحماية لهم في بلدان اللجوء، والمسؤولية الأكبر بعدم توظيف المجتمع الدولي لجهوده وتوحيدها من أجل تسوية الأزمة السورية، والتي إذا ما بقيت مستمرة ستتواصل أساطيل قوارب الموت المتهالكة ركوب أمواج البحر المتوسط القاتلة، لا يجاريهم في محنة مداورة الموت، أملاً بفرصة حياة، سوى فقراء أفريقيا، الذين يحلمون، حالهم كحال اللاجئين السوريين والفلسطينيين، بالأمان والعيش الكريم، تاركين ورائهم أوطانا مضيعة، بالحروب والعنف والفقر والاضطهاد.
أحلام البعض من اللاجئين تتكسر على أمواج البحر المتوسط، والكثيرين ممن يكتب لهم الوصول إلى البر الإيطالي أو اليوناني تتكسر أحلامهم هناك، بينما يواصل آخرون المقطع البري من "طريق الجلجلة" وهم يحلمون بالجنة المفترضة، قبل أن يكتشفوا أن الحياة هناك ليست بالسهولة التي قيل لهم عنها، وليعلقوا حينها بين حسرات على وطن مضيع ومصاعب التأقلم في دول اللجوء التي هاجروا إليها..
ولن تتوقف مآسي المهاجرين إلا بموقف دولي موحد لمواجهة جذور هذه المآسي ومعالجتها، بالحث عن حلول سياسية للحروب، ومساعدة الدول الفقيرة على التنمية، والتخفيف من معاناة اللاجئين عبر الالتزام بتقديم المساعدات لهم، وليس باعتبار المهاجرين مشاكل فائضة عن حاجة أوروبا الغربية، والاكتفاء بالتباكي لأيام، وربما ساعات، عندما تقع مأساة من مآسيهم.