عالم فضفاض سمح لأفراده بكل شيء تقريبا، من الحب الأول إلى القتل، حتى الاستنساخ، حيث يمكن لأي فرد أن يستنسخ من ذاته ذوات كثيرة، وكأن الفيسبوك فتح الأبواب السرية التي أغلقت دون نفوس متعددة الأبعاد، ما كان لها أن تظهر ما خفي منها إلا في هذه الدولة الافتراضية. فهذا رجل يضع صورة امرأة ليندس بين النساء، وتلك سيدة تتجسس على محبوبها في ثوب رجل، وثالث له أكثر من حساب، وكأن مسرحية بيرانديللو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" تتجسد في هذا العالم العجيب. ورغم أن هناك العديد من القواعد التي وضعها الفيسبوك، إلا أن هذه الدولة لم يوقع أفرادها على عقد اجتماعي يحكم العلاقات بينهم. يضيف مارك لدولته بعض قواعد وسمات جديدة من وقت لآخر، وآخر ما أنتجته دولة الفيسبوك هو زر "dislike" الذي أثار جدلا واسعا بين مستخدميه.
تباينت ردود الأفعال بين مواطني دولة الفيسبوك على مستوى العالم تجاه زر "Dislike" المقترح إضافته قريبا للشبكة الاجتماعية الأكثر رواجا في عالم اليوم، بعد ست سنوات كاملة من إضافة زر "Like". وقد صرح مارك زاكيربيرج أن إضافة هذا الزر جاءت استجابة لطلب العديد من المستخدمين في العالم على مدار سنوات. وقد أمطر متابعي صفحة زاكيربيرج بالتعليقات على هذا الخبر، واستقبل الناس الخبر على نحو متباين. يرى الفريق المعارض أن إضافة هذا الزر ستؤدي إلى فتح مجال للعداء والإيذاء والتآمر، كما أنها سوف تكرس لفكرة الانتقام، ومن ثم تفتح المجال أمام إصابات اجتماعية ونفسية بالغة الخطورة مثل الإحباط، الإكتآب، والإنسحاب بالتبعية من الفيسبوك. في حين عبر الفريق المؤيد عن سعادته بهذه السمة، لأنها ستحقق قدرا أكبر من التوازن، حيث سيمتنع الكثيرون عن ممارسة الإزعاج المجاني، وستحجم الممارسات السلبية لكثير من مستخدمي الفيسبوك، وسيتوقف المدعون والمزعجون عن الهذيان، مما سيجعل الفيسبوك مكانا للتواجد والتواصل بشكل أفضل، وبين شخصيات تجمعها ثقافة مشتركة. ويرى هذا الفريق أن استخدام زر "dislike" للتعبير عن الرفض طريقة شديدة التهذيب، وهي أقل ضررا من تعليق مباشر ذو تأثير معنوي سلبي. كما أنها قد تصبح وسيلة تقييم موضوعي يعرف من خلالها المستخدم رأي الناس الحقيقي فيما يضع على صفحته.
ومن ناحية أخرى، لا يشترط أن يشير هذا الزر بالضرورة إلى عدم الإعجاب، إنما قد يستهدف توفير سمة تكنولوجية تمكن مستخدم الفيسبوك من التعبير عن الأسف أو التعاطف، فمثلا عندما ترى صورة لطفل مريض يرقد على سرير بمستشفى، أو خبرة وفاة صديق لك، أو تعبير فيه إهانة ما لشخص، دين، عرق، لون، أو صيغة لقرار اتخذته الحكومة على نحو يضر بمصالح الناس، ستلجأ إلى زر "dislike" بالضرورة للتعبير عن أسفك أو تعاطفك مع المتضررين. وعلى أي حال، يبدو أن الجدل سيستمر حتى يظهر هذا الزر ويخضع للتجربة الواقعية… سننتظر لنرى.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)