مصادقة قمة التنمية المستدامة، التي انعقدت في نيويورك أمس السبت، على "خطة الأهداف الإنمائية حتى عام 2030" خطوة مهمة جداً في الاتجاه الصحيح، نحو تنمية مستدامة وشاملة، بمشاركة كل المجتمع الدولي وحكومات العالم، للقضاء على الفقر وصولاً إلى تحقيق الرخاء والرفاهية لكل البشر.
خطة طموحة، لكن تنفيذها ممكن، بل بمتناول اليد، إذا ما التزم الموقعون عليها بتعهداتهم في إطار التعاون المشترك، وإجراء التحضيرات المطلوبة استعداداً للبدء بتنفيذ الخطة، في مطلع كانون الثاني/يناير 2016. غير أنه من المتوقع أن تواجه الخطة عقبات ليست سهلة، فنجاحها يرتبط بكيفية تعامل الحكومات معها، ومدى وفائها بالمعايير والشروط والإصلاحات وبرامج العمل، التي تستدعي بالضرورة إصلاحات هيكلية اقتصادية وسياسية في غالبية البلدان النامية، حيث الفقر في هذه الدول مرتبط بالافتقار إلى الحكم الرشيد والديمقراطية.
ومن الميزات الإيجابية للخطة الإنمائية الجديدة أنها ربطت بين محاربة الفقر وبين النمو الاقتصادي وتلبية الاحتياجات الاجتماعية، وفي مقدمتها خدمات الصحة والتعليم، وتأمين مياه نظيفة للشرب، ومرافق صرف صحي وتوفير طاقة حديثة، وتوفير فرص عمل، وحماية البيئة، ناهيك عن القضاء على كل أشكال التمييز، والحد من عدم المساواة داخل المجتمع الواحد.
الخطة الإنمائية السابقة، التي بدأ العمل بها عام 2000 وتنتهي نهاية العام الجاري، تضمنت ثمانية أهداف رئيسية، خصصت أيضاً بمجملها لمحاربة الفقر، وتؤكد تقارير الأمم المتحدة أن ما تحقق في مضمار تنفيذ الخطة كان كبيراً، حيث أن الفقر آخذ في الهبوط على مستوى العالم، وعدد الأطفال الملتحقين بالتعليم الابتدائي أكبر من أي وقت مضى، وانخفضت وفيات الأطفال انخفاضاً حاداً، وتوسعت إلى حد كبير إمكانية الحصول على المياه النظيفة، أدت الاستثمارات المخصصة لمكافحة الملاريا والإيدز والسل إلى إنقاذ أرواح الملايين.. الخ. وهو ما أحدث، وفق تقديرات الأمم المتحدة، اختلافاً حقيقياً في حياة الناس، ويمكن توسيع هذا التقدم ليشمل كل بلدان العالم، من خلال "قوة الشراكة والمساءلة".
ويعول على الخطة الجديدة أن تحقق أكثر من سابقتها، بالنظر إلى أهدافها السبعة عشرة المقترحة، وفي مقدمتها القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، والقضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة، ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي للجميع وإدارتهما إدارة مستدامة، وتأمين تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار، وتوفير التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع، وتعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع، وإقامة بُنى أساسية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع، وتشجيع الابتكار، الحد من التباين داخل البلدان وفيما بينها، والتشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يُهمّش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية لجوء الجميع إلى القضاء، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات.
واستناداً إلى تقييم الأمم المتحدة، لما تم إنجازه من الخطة السابقة، كان من الممكن الحصول على نتائج أفضل بكثير، لو أن العالم وظَّف كل إمكانياته البشرية والمادية لبناء غد أفضل، دون حروب أو نزاعات، فالفاتورة التي تدفعها البشرية في الإنفاق على الحروب وسباقات التسلح يساوي أضعاف الموازنات المطلوبة لخطط التنمية المستدامة.
ويكفي فقط أن نضرب مثالاً على ذلك تكاليف الحرب الأميركية على العراق وأفغانستان، ففي شهر آذار/مارس 2013 نشرت جامعة هارفارد الأمريكية دراسة حول هذا الموضوع، أكدت فيها أن تكاليف الحرب الأميركية على كل من العراق وأفغانستان تفوق كلفة كل الحروب في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتتراوح بين 4 و6 تريليونات دولار أميركي، كما كشف الدراسة أن الجزء الأكبر من هذه التكاليف لم يسدَّد بعد. مع ملاحظة أن الحساب هنا لا يشمل خسائر العراق وأفغانستان جراء الحرب.
والسؤال ماذا لو أن الولايات المتحدة الأميركية وظفت هذه التريليونات من أجل رفاه البشرية، وليس للقتل والتدمير؟ ورغم أن الإجابة ستكون افتراضية إلا أن الإجابة عليها مهمة لإنجاح الخطة الإنمائية الجديدة، فوقف الحروب والنزاعات، والحد من سباق التسلح، كفيل بتأمين الموازنات المطلوبة لتنفيذ أهدافها السبعة عشرة.