دأبت القيادة الروسية منذ بداية الأزمة في سورية عام 2011، على التواصل الدائم والمباشر وحتى غير المباشر مع جميع القوى السياسية، والأحزاب الفاعلة على الأرض السورية، ودول الجوار ممن لها علاقة مباشرة مع الأوضاع في سورية، وعملت على دراسة وقراءة حقيقة الأمور التي تجري في المنطقة بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص وخاصة أنها أصبحت المركز الرئيسي لاستمرار الأزمة في المنطقة أو حلها، لأسباب عديدة ومختلفة تختلف من طرف لطرف ومن جهة لجهة، ونقصد هنا الأطراف والجهات المتداخلة في الأزمة السورية، وهذا ماعقد الأزمة أكثر مما هو متوقع، وهنا كان لابد لروسيا من أن تدرس هذا الملف بدقة متناهية، تستطيع من خلال هذه القراءة أن تمد يدها للجميع وتعطيهم فرصة المشاركة في حل الأزمة السورية، بما فيها الأيدي التي كان لها دور في تسعير الأزمة السورية، والتي باتت معروفة تماًما للعيان. ومن هنا نرى أن السياسة الروسية اتجهت بالفعل إلى النظر في إمكانية الرهان على هذه الطريقة من التعامل مع مثل هذ الأزمات التي لم يشهد لها التاريخ مثيل، من حيث الأسلوب والطريقة والأدوات المستخدمة، فتوجهت روسيا إلى الالتزام بعلاقاتها التاريخية مع سورية بالدرجة الأولى، واستخدمت هذ العلاقة في إقناع الطرف السوري بهذا الطرح أوذاك، وأثبتت المرحلة أن القيادتين في البلدين كانتا تسيران في الاتجاه الصحيح بالاعتماد على هذه العلاقة وعلى الثقة في وحدة الحال والمصير، في ظل المتغيرات والمتبدلات الحالية للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والتي تقودها الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة من أجل تحقيق مخططاتها، التي أثبت الظرف الراهن والنتائج التي ظهرت حالياً أنها كانت مسبقة الصنع.
وعلى العكس من الولايات المتحدة، التي تسعى إلى تحقيق مآربها بكافة الطرق والوسائل، دون أي استشعار عن بعد، أو وضع تصور للمرحلة الأنية ونتائج تطور الأحداث، لابل والأنكا من ذلك أنها لم تحسب خط الرجعة، يعني روسيا استطاعت أن تعي تماماً ما ستؤول إليه الأمور وكانت حساباتها صحيحة جداً في تحديد طريقة التعامل مع الوضع سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، وبالتوازي استقبلت روسيا وفود مختلفة ومن كل الأطراف وأدارت حوارات ونقاشات، وقدمت مبادرات، وعرضت رؤيتها المستقبلية لسورية والأوضاع في المنطقة بشكل عام، وبحثت عن مفاتيح تسوية للأزمة، بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد الأرهاب، عند القوى السياسية التي أظهرت نفسها طيلة فترة الأزمة على قدر كبير من الوعي والفهم لمجريات الأحداث وقدمت رؤاها لطرق حل الأزمة، لابل شاركت في الحرب على الإرهاب وقدمت الكثير من الجهد السياسي والعسكري للحفاظ على وحدة سورية واستقلالها، ومن بين هذه القوى التي من الواضح أن العين الروسية تتجه نحو مد اليد إليها للتعاون على رسم مستقبل البلاد انطلاقاً من الرؤية الشعبية والسياسية وحق تقرير المصير ومستقبل سورية بيد الشعب السوري ولا أحد غيره.
إعداد وتقديم نواف إبراهيم