السؤال المطروح، ما الهدف من قرار أوباما في ظل التقدم الذي تحرزه القوات الروسية بالتعاون مع الجيش السوري ضد التنظيمات الإرهابية، وتوقيت الإعلان عن القرار في ظل المباحثات السياسية التي تجرى في فيينا للبحث عن حل سياسي للأزمة بمشاركة كافة الأطراف المؤثرة إقليمياً ودولياً؟!
١
اتفق المشاركون في اجتماع فيينا على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية، وأن مؤسسات الدولة ستظل قائمة، وأن حقوق كل السوريين يجب حمايتها بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني، وضرورة تسريع كل الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب، والاتفاق على ضرورة هزيمة تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية، ودعوة الأمم المتحدة لجمع ممثلي الحكومة والمعارضة في سوريا في عملية سياسية، وأن الشعب السوري وحده هو الذي يملك تحديد مستقبل بلاده.
2
يبدو أن البيت الأبيض لديه استراتيجية مختلفة عن تلك التي أعلنت في فيينا، وأن الغرف المغلقة وأروقة صانع القرار الأمريكي لم تتخل عن استمرار دعم الجماعات المتطرفة وعناصر "اللا دولة" وتقسيم المنطقة على أساس طائفي وعرقي، فكان قرار إرسال القوات الخاصة إلى سوريا، بعد فشل برنامج تدريب ما يعرف بـ "المعارضة المعتدلة"، وبعد قيام البنتاغون بإرسال مجموعة كبيرة من الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة التي تستهدف الجيش السوري، وظهور عدد كبير من سيارات الدفع الرباعي الحديثة لدى الجماعات الإرهابية.
2
اعتادت الولايات المتحدة على القيام بإرسال العشرات ممن تصفهم بالمستشارين العسكريين، لتنفيذ عمليات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة ـ اتسم أغلبها بالسرية ـ بهدف خلق وضع محدد سياسيا وعسكرياً واقتصادياً، وتتم بالتعاون مع قوى أخرى في المنطقة، ولكن يبقى السؤال حول موقف القانون الدولي المعاصر من انتشار قوات العمليات الخاصة الأمريكية على أراضي دول أخرى تتمتع بالسيادة وفق ميثاق الأمم المتحدة؟
3
يؤكد ميثاق الأمم المتحدة أنه يجب على الدولة الامتناع عن القيام، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بتعزيز أو تشجيع أو دعم أنشطة التمرد أو الانفصال داخل دول أخرى، بأي حجة كانت، أو اتخاذ أي تدابير تستهدف تمزيق وحدة دول أخرى أو تقويض أو تخريب نظامها السياسي، ومنع تدريب المرتزقة وتمويلهم وتجنيدهم في إقليمها، أو إرسالهم إلى إقليم دولة أخرى، وعدم تقديم ما يلزم من تسهيلات، بما في ذلك التمويل، لتجهيزهم وعبورهم، والامتناع عن عقد اتفاقات مع دول أخرى تستهدف التدخل بأي شكل، في الشئون الداخلية والخارجية لدول ثالثة، ومن واجب جميع الدول ألا تهدد باستعمال القوة أو تستعملها ضد سيادة الدول الأخرى أو استقلالها السياسي أو سلامتها الإقليمية، وأن عملية إحلال السلم والأمن الدوليين والمحافظة عليهما وتعزيزهما تقوم على أساس الحرية، والمساواة، وتقرير المصير، والاستقلال، واحترام سيادة الدول.
4
استقر المجتمع الدولي على مشروعية التدخل الذي يأتي بناء على طلب من الحكومة الشرعية، أو قرار من مجلس الأمن المعني بحفظ السلم والأمن الدوليين، أو التدخل الإنساني ـ وإن كان هذا يثير الكثير من الجدل لاستخدامه في غير أغراضه الحقيقية ـ وبالتالي فإن قرار الإدارة الأمريكية والدول الأخرى التي تخترق سيادة الأراضي السورية براً وجواً تكون قد انتهكت القانون الدولي المعاصر ولميثاق الأمم المتحدة، وأن قرار واشنطن إرسال قوات جاء منفرداً في الوقت الذي يبحث فيه المجتمع الدولي سبل البحث عن تسوية سياسية للأزمة.
5
العمليات العسكرية التي قام بها تحالف واشنطن على مدار ما يربو من عام، أثبتت عدم جديتها، ولم تسقط التنظيمات الإرهابية واستمرت في التوسع وفرض سيطرتها على الأرض، إلى أن جاء موعد التدخل العسكري الروسي الذي رسم الحد الفاصل للمراوغة الأمريكية في محاربة الإرهاب في سوريا، وجهود التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة، وأظهرت موسكو إرادة حاسمة للقضاء على الإرهاب والحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية.
6
أكد رئيس مجلس العلاقات الدولية في الولايات المتحدة، ريتشارد هاس، أن نجاح خطة إرسال قوة أمريكية إلى المناطق الكردية ـ شمال سوريا ـ من شأنه تقسيم سوريا. وأضاف خلال تصريحات لشبكة التلفزيون الأمريكية "سي إن إن" "ما سينتهي إليه الأمر، هو أنه وفي حال نجحت هذه الخطة فإنّه سيكون هناك قرابة ست مناطق في سوريا واحدة للنظام السوري وأخرى للأكراد وثالثة لداعش وأخرى للنصرة وغيرهم وهذا ما ننظر إليه إن نجحت الخطة الجديدة".
7
وبقرار أوباما تخطو الإدارة الأمريكية في اتجاه طريق يستهدف توفير الحماية اللازمة لعناصر "اللا دولة" والجماعات الإرهابية في سوريا، من الضربات الروسية واستغلال التفاهم الذي توصلت إليه مع موسكو حول تدابير السلامة الجوية وضمان عدم المواجهة الميدانية في سوريا.
والمشهد العام في المنطقة وتحليل تصريحات المسئولين الأمريكيين يشير إلى ان واشنطن لا تملك سوى استراتيجية واحدة تستهدف تقسيم الشرق الأوسط على أساس طائفي بالتعاون مع حلفائها في المنطقة.
8
المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أكد خلال تصريحات صحفية، الجمعة 30 أكتوبر/تشرين الأول، أن "العملية الروسية في سوريا تنفذ دعما للأنشطة الهجومية للقوات المسلحة السورية التي تحارب التنظيمات الإرهابية والمتطرفة خلال فترة هذا الهجوم"، وأن أي تسوية في سوريا من الصعب تحقيقها ما لم توجه ضربة ملموسة إلى قوى التطرف والإرهاب.