تستضيف العاصمة الفرنسية باريس أعمال الدورة الحادية والعشرين لـ"مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ"، والدورة الحادية عشرة لـ"اجتماع الأطراف في بروتوكول كيوتو"، وسيكون الموضوع الرئيس على جدول أعمال الدورة، على مستوى القمة، إبرام اتفاق جديد بشأن المناخ في عام 2015، من المفترض أن يدخل حيّز النفاذ في عام 2020، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية وحكومية متخصصة الواقع المأساوي لتغير المناخ في العالم، والنتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب على عدم وضع حلول استراتيجية والالتزام بتنفيذها، للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري.
خطورة التغيرات المناخية، كنتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري، لخصت في الوثائق التحضيرية لقمة المناخ في باريس في ثلاثة سطور كافية لإثارة الرعب والخوف على مستقبل كوكب الأرض والحياة البشرية عليه، حيث جاء في التقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي: "لقد كان العقد الأول من القرن الواحد والعشرين (2001 —2010) الأكثر ارتفاعاً في الحرارة منذ 1850. وتأكدت زيادة معدل الحرارة على سطح الكرة الأرضية، وتأكد أيضاً ارتفاع مستوى المحيطات وتسارع ذوبان الجرف الجليدي، كوقائع علمية لا ريب فيها".
تترجم بايولا كالباليرو ما سبق، في مقالة نشرها "البنك الدولي" على موقعه، بالقول: "عندما أنظر إلى معدل استنزاف الموارد، وتآكل التربة، وتقلص المخزون السمكي، وإلى آثار تغير المناخ على كل الأنظمة الإيكولوجية تقريبا، فإنني أرى عالما ماديا يمضي حتما نحو التدهور ببطء. أنا أسمي ذلك الواقع المتردي- وهو الواقع الجديد- للظواهر القادمة ببطء التي تجعلنا نركن إلى السلبية والقبول بعالم أقل ثراء وتنوعا. لقد رأيت في حياتي المياه الزاخرة بالأسماك متعددة الألوان تتحول إلى مياه آسنة كأحواض السمك الفارغة. رأيت شوارع مدينة بوغوتا، مسقط رأسي، تفقد آلاف الأشجار في عدة سنوات..".
صورة مأساوية لن تتغير إلا بتضافر جهود حكومات العالم، في العمل على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، والانتباه إلى الثغرات السابقة التي شابت العمل الجماعي، وارتقاء العمل السياسي في حيز التعاطي مع التغيرات المناخية إلى مستوى الاستجابة لتحذيرات العلماء. فمنذ عام 1992 صدَّق 195 طرفاً على "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ"، وفي عام 1997 اعتُمد "بروتوكول كيوتو" من أجل تطبيق الاتفاقية، ودخل حيّز التنفيذ في عام 2005. للعمل على تقليص انبعاثات غازات الدفيئة والحد منها للبلدان المتقدمة، والبلدان ذات الاقتصاد الانتقالي، لكن ما تحقق منها حتى الآن قليل بالقياس إلى ما هو مطلوب، فالمفاوضات بين الدول المتقدمة بشأن الحد من مستوى الانبعاثات الكربونية لم تصل إلى نتائج يعتد بها.
رغم ما سبق؛ ثمة مراهنة على أن تكون قمة المناخ في باريس نقطة تحول في جهود إنقاذ كوكب الأرض والحياة البشرية، بشرط أن تحقق القمة ثلاثة أهداف رئيسية، الهدف الأول الاتفاق على استراتيجية للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، والهدف الثاني مساعدة البلدان المتضررة من التغير المناخي على التكيف مع آثاره ومواجهتها، والهدف الثالث تأمين الموارد المادية اللازمة لذلك.
وتأمين المال سيتوقف الكثير في تنفيذ الاستراتيجية، مع الإشارة إلى أن التجارب السابقة لم تكن مشجعة، إذ أن نسبة تأمين الموارد المالية كان بحدود ما بين 50- 60% فقط، من أصل 100 مليار سنوياً وعدت بتوفيرها الدول الغنية في مؤتمر كوبنهاغن عام 2009 ، لمساعدة الدول النامية، الأمر الذي يبعث على مخاوف من أن تفشل قمة باريس في توفير الموارد المالية الكافية لتنفيذ الاستراتيجية الجديدة، علماً بأن اللجنة الدولية لتغير المناخ أكدت في تقرير لها أن العالم يحتاج إلى ما يقارب 6 تريليونات دولار سنوياً حتى عام 2030.
إلا أن ازدياد وعي المجتمع الدولي بمخاطر الانبعاث الحراري والتغير المناخي، وضرورة الربط بين النظام البيئي (الإيكولوجي) السليم وتأمين الغذاء والماء النظيف، والحفاظ على تنوع الحياة على الكرة الأرضية، حيث باتت العديد من الكائنات على الأرض مهددة بالانقراض بسبب إزالة الغابات أو تدهورها. كل ذلك يدفع إلى الأمل، مع التشديد على أن ما تحتاجه البشرية يكمن في أن ينعكس الوعي من خلال استراتيجيات موحدة يلتزم بها الجميع، الأمر الذي سيشكل تحدياً كبيراً وصعباً أمام "قمة المناخ" في باريس.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)