أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في بيان صدر عنها في التاسع والعشرين من الشهر الماضي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "أوعز بصفته وزيراً للخارجية بتعليق الاتصالات الدبلوماسية مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي المشاركة في مساعي السلام مع الفلسطينيين، وذلك إثر قرار الاتحاد الأوروبي القاضي بوسم منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان".
وكترجمة عملية لهذا القرار، أعطى نتنياهو تعليماته لوزارة الخارجية الإسرائيلية بإجراء إعادة تقييم لمشاركة مؤسسات الاتحاد الأوروبي في كل شيء له صلة بالعملية السياسية مع الفلسطينيين، وتقرر إلغاء بعض اللقاءات المشتركة مع الاتحاد الأوروبي ومن بينها جلستان للجنة الفرعية السياسية واللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان. وفي سياق متصل كشف مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، في تصريح لصحيفة (إسرائيل اليوم)، أن الحكومة الإسرائيلية ستتوقف عن تقديم تسهيلات للمشاريع الموجهة إلى الفلسطينيين والتي يرعاها الاتحاد الأوروبي.
وتأتي هذه الإجراءات رداً على قرار كان قد اتخذه الاتحاد الأوروبي، في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، يقضي بوسم المنتجات التي تصنع أو تزرع في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة عام 1967، مما يلزم المنتجين الإسرائيليين أن يضعوا علامات توضيحية على المنتجات الزراعية وغيرها من المنتجات القادمة من المستوطنات في الضفة الغربية والجولان، في حال بيعها داخل دول الاتحاد الأوروبي، ما من شأنه، حسب تقديرات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، تكبيد المستوطنين ما يقارب 50 مليون دولار سنوياً.
ولم يكتف نتنياهو بالإجراءات المشار إليها، بل كال الاتهامات والشتائم للاتحاد الأوروبي، وقال خلال زيارته الأخيرة لواشنطن "إن على الاتحاد الأوروبي أن يخجل من نفسه" واتهم دول الاتحاد بأنها "منافقة وتكيل بمكيالين"، بينما مازال الاتحاد الأوروبي يلتزم الصمت إزاء تصريحات وإجراءات نتنياهو المهينة لكل حكومات الدول الأوروبية الغربية ومؤسساتها المشتركة.
تعامل يستخف بأوروبا الغربية وبدورها، بيد أنه لا يشكل سابقة في تعامل القادة الإسرائيليين مع نظرائهم الأوروبيين، لاسيما من قبل بنيامين نتنياهو، رغم الدعم الاقتصادي والسياسي الذي تحظى به إسرائيل من دول الاتحاد الأوروبي، وكأن نتنياهو يريد أن يفرض على الأوروبيين التساوق مع السياسات الإسرائيلية، حتى فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية والسورية المحتلة عام 1967، بينما بالمقابل، وفقاً لما تريده الحكومة الإسرائيلية، على دول الاتحاد الأوروبي أن تواصل دعمها الاقتصادي والسياسي لإسرائيل دون شروط أو ضوابط.
ولا يقتصر هذا السلوك الإسرائيلي على الاستخفاف بالاتحاد الأوروبي، بل يشمل الولايات المتحدة الأميركية، فبالتزامن مع الإجراءات الإسرائيلية ضد مؤسسات الاتحاد الأوروبي السياسية والدبلوماسية، وجَّه نتنياهو صفعة قوية إلى الإدارة الأميركية، بإعلانه أنه "لن يتم تسليم الفلسطينيين ولو متراً مربعاً واحداً من الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية"، وشدَّد على أن حكومته لن توقف البناء في المستوطنات، وأبلغ ذلك لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أثناء لقائه معه في زيارته لإسرائيل.
وللتذكير، طرح الوزير كيري على نتنياهو رؤية أميركية لتهدئة الأوضاع في القدس الشرقية وباقي أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفي مقدمة تلك المقترحات التسليم السلطة الفلسطينية مساحات من المنطقة "د"، الخاضعة للسيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية وفق اتفاقيات أوسلو الانتقالية، إلى جانب السماح للفلسطينيين بالبناء في هذه المنطقة، وأدى رفض نتنياهو لهذين المقترحين ومقترحات فرعية أخرى، إلى فشل زيارة كيري إلى كل من تل أبيب ورام الله.
ولن يتردد نتنياهو في توجيه صفعات في المستقبل، ربما أشد من الصفعة المزدوجة التي وجهها للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لأنه بات يتعامل من منطلق أن الحكومات الأوروبية والإدارة الأميركية أجبن من أن ترد على الإهانات والشتائم والصفعات الإسرائيلية.