وكان من اللافت جدا أن ترتكز الزيارة بالأساس على مسألة الطاقة، ولذلك مدلولات كبيرة، خاصة بعد أن انكشف الدعم التركي، على المستوى الرسمي وغير الرسمي لتنظيم "داعش" الإرهابي، المتهم بنهب البترول العراقي والسوري وتهريبه من خلال تركيا إلى دول العالم، إضافة إلى تورط نجل الرئيس التركي في عمليات التهريب من خلال شركاته. وقد تحدثنا عن هذا الأمر في مقال سابق، وكشفنا ضلوع ابنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في العمل مع قوافل إغاثة طبية لمقاتلي داعش. كل هذا يؤكد أن تركيا تعتبر لاعبا أساسيا في صنع تلك الجماعة الإرهابية المسماة بداعش واستمرارها على قيد الحياة حتى الآن، ويؤكد بالتبعية أن حادث إسقاط الطائرة العسكرية الروسية بمثابة عمل انتقامي بالدرجة الأولى، نظرا لنجاح روسيا في توجيه ضربات موجعة لهذا التنظيم الإرهابي.
وبالطبع نحن هنا لا نتحدث عن تركيا كلاعب وحيد في هذه المباريات، إنما لها شركاء تحركهم مصالح مشتركة، فالولايات المتحدة ليست بعيدة عن كل هذا، وكذلك أوروبا، إضافة إلى أن هرولة أردوغان نحو قطر في أوج أزمته مع روسيا ليست إلا دليلا قاطعا على عضوية قطر الفعالة في هذا الفريق، الذي ترعاه أمريكا ومن ورائها الغرب. وتعتبر هذه الزيارة محاولة واضحة وسريعة لإنقاذ إمدادات تركيا من الغاز من خلال الحليف القطري. وقال أردوغان خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد على هامش اللقاء: "بحثنا بإيجابية استثمارا محتملا في تخزين الغاز الطبيعي المسال أو خطوات أخرى مع قطر نتيجة للتطورات الواضحة الخاصة بتركيا". وهذا بالطبع يعد حلا مناسبا لتركيا، عقب توتر العلاقات مع موسكو. وجدير بالذكر أن تركيا خططت في وقت سابق استثمار علاقتها بروسيا لتخزين الغاز الطبيعي المسال هناك في وقت سابق، لكن توقفت بالطبع كل المشاريع المشتركة مع روسيا عقب أزمة الطائرة. وقد أشارت بعض المصادر إلى أن حجم الواردات التركية من الغاز الروسي بلغت حوالي 27.3 مليار متر مكعب من الغاز كل عام، وهو ما تجاوز نصف واردات تركيا من الغاز.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد ذكر في أحد تصريحاته عقب سقوط الطائرة الروسية المدنية في سيناء أن هناك العديد من الدول تقف وراء الإرهاب، وخلف التنظيمات الإرهابية التي تعمل في منطقة الشرق الأوسط، خاصة التنظيم الإرهابي الأخطر المسمى بداعش. وكان توترا قد شاب العلاقات التركية الروسية عقب بدء العمليات الروسية في سوريا، خاصة أن تركيا، إضافة إلى قطر والسعودية، أو ما يعرف بـ"التحالف السني"، يستهدفون القضاء على نظام بشار الأسد، ويدعون دعم المعارضة المعتدلة داخل سوريا، رغم أن صفة المعارضة المعتدلة تعتبر صفة اشكالية، لأن أغلب التشكيلات المحاربة ضد نظام الأسد إما مرتزقة، أو تنظيمات تنتمى لجبهة النصرة أو تنظيم داعش، وكلها لا يمكن وصفها بالمعتدلة. وقد أكد بعض المتابعين والخبراء أن التحرك العسكري التركي الأخير في العراق يشير بقوة إلى عدم حيادية الموقف التركي، وزعمة أنه يحارب الإرهاب، في حين أنه أكبر الداعمين له، كم أكد أيضا أن عمليات نهب البترول العراقي ليست ببعيدة عن تركيا. الأمر الآخر أن هذا التحرك قد أكد بالفعل أن تركيا بدأت في الإنتقال إلى المرحلة التالية من الخطة التي تستهدف انشاء خط أنابيب تركي — قطري. كما ذكرت بعض المصادر أن تركيا لا تستهدف سرقة النفط فقط، بل إنها تخطط لسرقة المياه أيضا، كل هذا بدعم قطري كامل.
ومن ناحية أخرى، أطلق وزير الخارجية القطري خالد ين حمد خلال لقاء تليفزيوني أن قطر قد تتدخل في الأزمة السورية، ذلك لأن مجلس الأمن لا يقوم بدوره كما ينبغي لحماية الشعب السوري. وأكد على أن الدوحة على استعداد كامل للتدخل على النحو الذي ينقذ سوريا من مغبة الإنقسام، من خلال تنسيق كامل مع تركيا والسعودية. وهنا يتبين أن تركيا وقطر لهما دور كبير في الأزمة السورية، وتصريح وزير الخارجية لا يعني أن قطر لم تتدخل منذ بداية الأزمة في توفير الدعم للميشيشيات المحاربة ضد النظام السوري، سواء كانت ضمن فريق المعارضة المعتدلة، كما يدعي البعض، أو فريق المعارضة الآخر، من المرتزقة والإرهابيين. ولا يعني بالطبع تطور مسألة الدعم وانتقالها إلى مراحل جديدة أن التحالف السني يعلن الحرب على النظام السوري فقط، إنما يبدو كأنه تهديد بالحرب ضد من يدعم النظام السوري أيضا، وما حادث اسقاط الطائرة المدنية الروسية على الأرض المصرية، واسقاط الطائرة الحربية الروسية التي شاركت في الحرب ضد المعارضة في سوريا إلا مثالا على أفكار تركيا وقطر وحليفتهما السعودية. وبالعودة إلى التقارب الكبير بين تركيا وقطر في الفترة الأخيرة، وبالأخص توقيع عقد بين شركة بوكاش لأنابيب نقل البترول وشركة النفط الوطنية القطرية، نجد أن هذا التحالف، الذي يبدو أن السعودية على وشك الإنضمام الرسمي له، يستهدف بالضرورة قطع الطريق على تحركات موسكو لتوجيه عقوبات اقتصادية على أنقره، محورها قطع إمدادات الغاز الطبيعي الروسي لتركيا، التي تمثل كما ذكرنا عاليه ما يتجاوز خمسين بالمائة من واردات تركيا من الغاز الطبيعي، وهي نسبة كبيرة جدا بالطبع. ومن ناحية أخرى، فقد كان من النقاط الهامة التي شكلت محورا في التحرك التركي الأخير هي مسألة تسليح فصائل المعارضة السورية، حيث أكد سينيرلي أوغلو، خلال استقباله لوزير الخارجية السعودي في تركيا في وقت سابق من أكتوبر الماضي، أن بلاده تسعى إلى إقامة دولة سورية لا مكان للأسد فيها، وبالطبع ستلقى مساعي تركيا كل الدعم من قطر والسعودية. ونستطيع أن نستخلص من كل هذا أن تركيا لا تتحرك وحدها، وأن دعمها للمعارضة السورية، خاصة تنظيم داعش لم يكن مصادفة، أو أنه يخدم مصالحها وحدها، إنما هناك أطراف أخرى تقف وراء تركيا وتدعم مساعيها بقوة، وأن العلاقة بين تركيا وقطر ليست علاقة عادية، إلى الحد وصف أردوغان لقطر أنها "بيته الثاني" وفق وصف جريدة زمان التركية، حيث تعتبر قطر أكثر البلاد التي زارها أردوغان خلال السنوات السبع الأخيرة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)