ومع ظهور روسيا على الساحة مرة أخرى، فرضت تحديات جديدة نفسها على المشهد العالمي، فها هي الولايات المتحدة وفريقها الغربي يمارسنا ضغوطا رهيبة للحيلولة دون عودة الدب الروسي مرة أخرى، ليكرسان حالة من الصراع الدائم مع موسكو.
يمكن للمتابع للأحداث أن يلحظ هذا دون جهد يذكر، ولم يكن ما حدث خلال قمة العشرين التي شهدتها تركيا مؤخرا إلا مؤشرا على مدى اتساع رقعة الخلاف بين موسكو من جهة، وأنجلو أمريكا بقيادة الولايات المتحدة، سواء بمنطقة الشرق الأوسط أو العالم. ومن الأمور التي ساعدت على ارتفاع وتيرة الخلاف بين المعسكرين الكبيرين كان البرنامج النووي العسكري الذي صدق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق. ولم يكن حادث إسقاط الطائرة العسكرية الروسية إلا جزءا من هذا الصراع، وما لبث حلف الناتو أن أرسل برسالة إلى روسيا مؤكدا عدم صلته بالحادث، تفاديا لصدام محتمل.
ولمن يلوم روسيا على المشاركة في حملة مكافحة الإرهاب على الجبهة السورية، عليه أن يتابع ذلك الحصار الذي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إحكامه حول روسيا، سواء من خلال منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية التي صارت تمثل تهديدا مباشرا للدولة الروسية، أو التدخل المباشر في أوكرانيا، التي تبدو كمسرح آخر للصراع الأنجلوأمريكي الروسي، ناهيك عن حرب النفط والطاقة التي تقودها الولايات المتحدة للحيلولة دون صعود روسيا كقوة عالمية مؤثرة ذات سيادة. تحاول التحركات الروسية الأخيرة في المنطقة أو العالم أن تحول دون نجاح المعسكر الغربي في فرض واقع بعينه على موسكو، ومن ثم حرمان روسيا من فرصة العودة مرة أخرى إلى حلبة التواجد الدولي بقوة.
وإذا تابعنا قرارات موسكو على مدار السنوات الأخيرة، تجدها تتصرف وفق منطق جديد، محوره الدفاع عن حقها وحق شعبها، وكذلك طموح الدولة الروسية في النجاح، وهو حق لا ينكره عليها أحد. وحين قررت موسكو التدخل لرد العدوان الجورجي على أبخازيا وجنوب أوسيتيا المواليتين لروسيا، كان الهدف إبلاغ رسالة واضحة للغرب أن روسيا اختلفت عن سنوات مضت، وأنها عازمة على استرداد مكانتها بقوة وحسم. لذا فإن التدخل الروسي في سوريا يعد أمرا منطقيا ونتيجة طبيعية لدولة تحافظ على مصالحها ووجودها ضد المحاولات الغربية للسيطرة المنفردة على المنطقة العربية بأكملها، خاصة بعد التغييرات التي شهدتها المنطقة في ظل الربيع العربي الذي بدأ عام 2011.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)