شهدت الأيام القليلة الماضية محاولات لتحقيق اختراق على صعيد حل معضلة فراغ الكرسي الرئاسي في لبنان، غير أن الأجواء ليست مشجعة حتى الآن، فالتسوية التي اقترحها رئيس "تيار المستقبل"، سعد الدين الحريري، والقاضية بترشيح زعيم "تيار المردة"، الوزير السابق والنائب سليمان فرنجية، مازالت تلقى معارضة قوية من قبل الأحزاب المسيحية الثلاثة الرئيسية، "التيار الوطني الحر" بزعامة ميشال عون، وحزب "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع، وحزب "الكتائب" بزعامة سامي الجميل ابن الرئيس الأسبق أمين الجميل.
موقف لم يتغير منذ الإعلان عن مبادرة الحريري، وكانت المبادرة سريعاً ما وصلت إلى جدار من الاستقطاب الحاد ما بين مؤيد ومعارض لها، أعاد خلط الأوراق في تحالف "8 آذار"، الذي ينتمي إليه كل من "التيار الوطني الحر" و"تيار المردة"، وغريمه اللدود تحالف "14 آذار"، الذي ينتمي إليه حزب "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب"، إلا أن دعوة البطريرك الكردينال بشارة الراعي إلى دعم مبادرة الحريري، دون أن يسميها بشكل مباشر، ألقت حجراً كبيراً في المياه الراكدة، لكنها قوبلت بعدم رضا من قيادات الأحزاب المسيحية الرئيسية الثلاثة في لبنان.
مؤشرات الامتعاض تجلت في غياب قادة الأحزاب الثلاثة عن قداس عيد مولد السيد المسيح الذي أقيم في صرح بكركي، كما كان لافتاً عدم قيام قادة تلك الأحزاب بزيارة بكركي لتهنئة البطريرك الراعي، في رسالة تدل على عدم الرضا عن دعوته الداعمة ضمناً لترشيح سليمان فرنجية، الذي يلقى أيضاً دعماً من أطراف وازنة وذات حيثية تمثيلية مفصلية، مثل زعيم "الحزب الاشتراكي"، وليد جنبلاط، وتأييد جهات إقليمية ودولية، بينما مازال موقف بعض القوى اللبنانية الرئيسية، من غير القوى المسيحية، غير واضح.
هدية عيد الميلاد ورأس السنة كان اللبنانيون بمختلف انتماءاتهم ينتظرونها لطي ملف الأزمة الرئاسية في لبنان بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، خلفاً للرئيس السابق ميشال سليمان، الذي غادر القصر الرئاسي منذ سنة وسبعة أشهر، بقيت فيها أضواء قصر بعبدا مطفأة وأبوابه موصدة، لكن من الواضح أن الأضواء المطفأة والأبواب الموصدة ستبقى على حالها حتى إشعار آخر، تأمل جهات سياسية لبنانية فاعلة في أن يكون في الأشهر الأولى من عام 2016، دون تقديم ضمانات لتحقيق ذلك، أو على الأقل أدلة على إمكانية حدوثه.
وتقول مصادر سياسية لبنانية مطلعة، إنه لن يكون من المستبعد أن ينطلق الدخان الأبيض من بكركي، إيذاناً بحل أزمة الرئاسة في لبنان، إذا ما نجح البطريرك الماروني، الكردينال بشار الراعي، في جمع الزعماء اللبنانيين المسيحيين الأربعة، عون وفرنجية وجعجع والجميل، على طاولة واحدة، للخروج بوقف موحد يساهم في حل الأزمة الرئاسة، ومما لا شك فيه أن مبادرة الحريري ستكون حاضرة على طاولة النقاش، لأنه لا توجد مبادرة أخرى مطروحة للنقاش حالياً. وتتعرض قيادات الأحزاب اللبنانية المسيحية الرئيسية لضغوط كبيرة، لاسيما في ظل تحذيرات أطلقتها شخصيات سياسية لبنانية، وزانة في الصف المسيحي، من أن استمرار الفراغ الرئاسي سيرتد سلباً على المكون المسيحي وعلى التوازنات السياسية القائمة في لبنان عموماً.
حيث ذهب الرئيس السابق ميشال سليمان إلى التحذير من "خطر استمرار الشغور على وثيقة الوفاق الوطني التي تكفل المناصفة"، وفقاً لما نصت عليه المادة 95 من الدستور اللبناني (الباب السادس).
وقصارى القول؛ هدية العام الجديد للبنانيين قيد التأجيل، وستتضح الصورة بعد انتهاء عطلة أعياد الميلاد، ولن تكون مقتصرة على الحراك الداخلي اللبناني، بل ستترافق مع حراك إقليمي ودولي، ينطلق من تقدير أن الفراغ الرئاسي امتد أكثر مما يمكن أن يتحمل لبنان عواقبه، ولذلك على القوى السياسية اللبنانية أن تعيد تقويم مواقفها، بطرح مخرج من الأزمة، وليس الاكتفاء برفض أو تأييد أو تفهم مبادرة ترشيح هذا المرشح أو ذاك.