أوضاع المرأة في العالم ليست كما يجب، فرغم القفزات الكبيرة التي حققتها النساء في العقود القليلة الماضية، لجهة الحصول على المزيد من حقوقهن، إلا أنهن يواجهن حتى الآن تمييزاً لاسيما في مجال العمل بالمقارنة مع الرجال، أرجعته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، في كلمة لها أمام المنتدى العالمي للمرأة في دبي 2016"، إلى أن "العمل النسائي في العالم يواجه قوانين وتشريعات تعيق تقدمه"، وأوضحت لاغارد ما سبق بالقول: "143 دولة تراعي حقوق المرأة، بينما 90 في المئة من الدول لديها سياسات تزيد الفجوة بين الجنسين في مختلف المجالات، وهذا ما يدفع المنظمات الدولية إلى المزيد من العمل لتغيير تلك السياسات".
المشكلة في البلدان النامية، ومنها الغالبية الساحقة من البلدان العربية، أعمق بكثير من وجود تمييز في مجال العمل، فالعادات والتقاليد تنتقص من حقوق المرأة، وحتى لو امتلكت النساء نظرياً حق المساواة مع الرجال، من شأن نسب البطالة المرتفعة، وضعف البنية التحتية، وتخلف وضعف القاعدة الاقتصادية- الإنتاجية، أن تجعل من الحديث عن فتح أبواب فرص أمام النساء شعاراً لا علاقة له بما يجري على أرض الواقع، علماً بأنه في الكثير من تلك البلدان تنخرط النساء في مجال الزراعة، ففي أفريقيا تشكل النساء ما نسبته ثلثي المزارعين الأفارقة.
بالعودة إلى تصريح السيدة لاغارد لا نعرف إلى ماذا استندت لتأكيد أن 143 دولة تراعي حقوق المرأة، مع إدراكنا أن لاغارد تتحدث عن مراعاة وليس إعطاء المرأة حقوقها كاملة، لكن استخدام مصطلح مراعاة فضفاض جداً، إذ يمكن لأي دولة أن تعتبر نفسها من الدول التي تراعي حقوق المرأة، بنص الدستور ومنطوق القوانين والتشريعات.. الخ، بينما ما تريده النساء هو سياسات على الأرض تجسد مراعاتهن ومساواتهن مع الرجال، وخاصة على صعيد الحق في العمل وتقاضي الأجر المناسب، وهذا يتطلب عملية نضالية شاقة، في الدول المتطورة والنامية على حد سواء.
من الأمثلة العملية على التمييز بين المرأة والرجل في سوق العمل، تشير الإحصائيات في الولايات المتحدة الأميركية إلى أن المرأة التي تعمل بدوام كامل تحصل على 77 في المائة مما يحصل عليه زميلها الرجل. ويقول خبراء العمل والمدافعون عن حقوق المرأة أن هذا الفارق دفع بمزيد من النساء إلى براثن الفقر بالرغم من وصولهن إلى مستويات تعليم عالية.
ووفقاً لتقرير نشرته وكالة "رويترز" عام 2014، أخذت الفجوة الكبيرة بين أجور الرجال والنساء تتقلص بين الستينات والتسعينات من القرن الماضي ثم تباطأت قوة الدفع. ويقول خبراء إنه بالمعدل الحالي لن تغلق هذه الفجوة تماماً وتتساوى أجور النساء والرجال في الولايات المتحدة إلا بحلول عام 2056.
وضع النساء الأوروبيات العاملات ليس بأفضل حالاً بكثير من نظيراتهن في الولايات المتحدة، ففي عام 2015 نشر مكتب "يوروستات" إحصاءات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، في الثامن من آذار/مارس، تشير إلى وجود فروق في سوق العمل بين الرجال والنساء في الاتحاد الأوروبي تصل إلى 16.4% سنة 2013، وقال المكتب إن الفروق لا تقتصر على الأجور فقط، فثلثا المدراء والكوادر والمسؤولين هم من الرجال، في حين أن موظفين اثنين من أصل ثلاثة موظفي مكاتب هم من النساء.
وأكد التقرير أن وسجل أكبر فارق في أجور النساء والرجال في استونيا حيث بلغ 29.9 % سنة 2013. وتلتها النمسا مع 23.0 % ثم الجمهورية التشيكية مع 22.1 % وألمانيا (21.6 %).
في المقابل، تراجع هذا الفارق إلى أدنى مستوياته في سلوفينيا (3.2 %) ومالطا (5.1 %) وبولندا (6.4 %)، فضلاً عن إيطاليا (7.3 %) وكرواتيا (7.4 %). وبالمقارنة مع العام 2008، تقلصت هذه الفجوة في غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي، لكنها اتسعت في حوالى 10 بلدان، مثل البرتغال.
أسباب هذه الظاهرة واتساعها فسرها "معهد تقييم سوق العمل وسياسة التعليم" في السويد، في دراسة أعدها ونشرها عام 2012، وبيّنت أن اختلافات الرواتب بين النساء والرجال تبدأ منذ بضع سنوات قبل سن الثلاثين، وهو السن الذي ينجب به السويديون أول طفل لهم. وتستمر تلك الفجوة إلى سن الخمسين حيث تبدأ بالانخفاض. هذا وركزت الدراسة على الرجال والنساء في سن الـ 45 والمولودين في الستينات، ليتبين في تقرير المعهد، أن رجال تلك الفئة العمرية الحاصلين على شهادات جامعية، مثل الأطباء والقانونيين والاقتصاديين والمهندسين، يحصلون على رواتب تفوق رواتب النساء في ذات الفئة العمرية والتأهيل العلمي، بأربعين بالمئة.
وحسب التقرير؛ يؤدي إنجاب الأطفال إلى عدم إقبال رب العمل على الاستثمار في تدريب المرأة لمنحها فرص استلام مناصب عالية. لكونها كثيراً ما تحصل على إجازة العناية بالطفل المريض أو إجازات الأمومة.
عموماً يعزى ذلك إلى وجود ثغرات في قوانين العمل تستغل للانتقاص من حقوق المرأة والحيلولة دون المساواة بينها وبين الرجل في سوق العمل.. انتقاص من غير المقبول استمراره لكن جشع نظام السوق يبقي عليه.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)