عجت الأحاديث السورية المصدومة بالتحليلات السياسية البحتة والعميقة وبشكل غير معتاد، ولكن هذه المرة بإشراك مصطلحات محور نظام الفيدرالية والإدارة الا مركزية وغيرها، إذ انقلب هدوء السوريون بعد هدنة إطلاق النار، إلى ضجيج صادر عن التفكير المرتبك بمستقبل بلادهم خوفاً من كابوس التقسيم أو تدمير قدرات البلاد بشكل نهائي.
مراسل "سبوتنيك" في دمشق، رصد أصوات وقناعات عدد من السوريين المطلعين وبشكل كبير على سير الأحداث السياسية وخصوصاً بعد أطروحة الفيدرالية الأخيرة، لتكوين فكرة جمة عن رأي السوريين بذلك.
هاجس الشعوب
يتحدث وسام العبد الله محامي وصحفي سوري لـ"سبوتنيك"، "تعتبر كلمات الفدرالية أو التقسيم هاجسا متكررا لدى شعوب المنطقة مع كل حرب تمر بها، منذ الحرب الأهلية اللبنانية إلى غزو العراق وحاليا مع الحرب في سورية، وخاصة أن دول المشرق العربي وجُدت ضمن مخطط تقسيمي منذ 100 عام".
ويبين، "لم يكن الحديث عن الفدرالية جديداً في سوريا، الفارق الوحيد، أنه كان يصدر من دول تصنف أن لديها المخطط التقسيمي للدولة السورية، بينما حاليا فهو صدر ضمن تصريح من مسؤول في دولة تعد من حلفاء الدولة السورية، بعيداً عن البحث في نيات المصرح واهدافه، يشكل طرح الفدرالية خطراً على وجود المجتمع السوري، فهذا النظام الغير الواضح المعالم، لن يكون فقط بشكلِ إداري كما هي الكثير من دول العالم، إنما الارضية ستكون قبلية وعشائرية وطائفية مما يهيئ البيئة لتكون حاضنة لحروب متكررة لأجيال قادمة".
ويضيف، "شكل النظام السياسي للدولة بين المركزية أو لامركزية الادارية بين المحافظات والحكومة هو أمر يختلف تماما حين يكون العنوان والهدف هو الفدرالية الذي يفتح الاحتمالات أن تتحول سوريا إلى مجموعة اقاليم، فالرد الأساسي هو ضمن قسمين، الأول هو شرعية الجيش السوري كمؤسسة تحمي سيادة الدولة السورية مما يعني دعم تقدمه على الارض من الحلفاء كروسيا وايران".
ويكمل العبد الله، "أما القسم الثاني فهو شق داخلي في مؤسسات الدولة، فالعبرة هي بتنفيذ القانون وتنمية المؤسسات، مهما كان الشكل الاداري الذي سيتم انتاجه في السنوات القادمة بما يتوافق مع مصلحة سورية ضمن سيادتها في النظام الدولي الجديد، إن الفدرالية قابلة للتمدد في معظم دول المنطقة، فأي دول تدعم قيامها في سوريا فهي تفتح الطريق أمام نارها للوصول إلى داخل بيتها، فالحل هو التكامل الاقليمي بين دول المنطقة وليس (الفدرلة) المتبادلة بين بعضها".
تعاطي سوري سلبي
ويصف حيدر مصطفى إعلامي سوري، تعاطي السوريين مع الأطروحة بقوله، "من الطبيعي تعاطي السوريين السلبي مع مسألة الفدرالية، خصوصا أن الفدرالية كمصطلح سياسي قد لا يفهمه البعض، وربما يؤله البعض الآخر إلى معانٍ أخرى قد لا تكون واردة، والسوريين اليوم في حالة قلق حقيقي من مسألة التقسيم خاصة وأن الغرب يلوح فيها منذ زمن، وبعض وسائل الاعلام تتاجر في المسألة بناء على اساس او تقسيم طائفي ومذهبي".
وبالحديث عن تطبيق هذا النظام على الحالة السورية، يقول ، "بالعموم الحالة السورية لا تقبل الفدرالية، لعدة اسباب، أولها أن المجتمعات المحلية وعلى نطاق ضيق أو محدود داخل مدن أو محافظات لازالت غير قادرة على قيادة نفسها بنفسها وغير جاهزة لإدارة شؤونها، المسألة ليست بهذه السهولة، كما أن الفدرالية ممكن أن تجمع المقسم، لكن لا يمكن أن تجزء وطن صغير قطعة واحدة على الأقل بنظر النسبة الأكبر من مواطنيه الذين لا يرتضون ابتداع أية مصطلحات قد تغير حلمهم المسروق بعودة سوريا واحدة موحدة دون تقسيمات مناطقية أو تغييرات ديمغرافية قسرية".
وعن أفضل حل للسورين يضيف، "ربما تكون الكونفدرالية هي نظام أكثر منطقية بالنسبة للسوريين، كونهم اليوم في امس الحاجة الى تنمية مجتمعات تصبح قادرة على ادارة شؤونها الذاتية وقادرة على انتخاب رؤساء بلديات ومحافظين بناء على نظام مركزي محلي يعنى تنمية المجتمع ويفعل دور الفرد والمواطنة، أي تفعيل اللامركزية الادارية، وهذا الامر يحد من تشعب لكن الفدرالية قد تكون فعلياً كلمة يراد بها باطل"
تعاطي جديد
وأبدى رأيه مصطفى، عامل سوري بأن، " في ظل هذه الظروف الصعبة و بعد ظهور أطروحات جديدة و تسويات إلى العلن من قبل بعض المنظمات الكبيرة، أصبح من الضروري الخروج من اللامبالاة و الفراغ ومن دائرة الانفعال إلى الفعل في إطار وحدة شعبية وطنية حقيقية كاملة.. للتصدّي لأي مشروع انهزامي، وعلينا أن نتذكر بأن تاريخ البشرية مال إلى الاعتدال بعد أن وعت لنفسها و عرفت أنها هي الأساس و عملها هو العصب، ولنتأكد بأنّ اختلال التوازن بين القوة و العقل و سيطرة القوة بما تفرضه من شعور بالغرور يقودان إلى الهزيمة المحقة، ومن يصدق النية لا يعدم الوسيلة"
ولا يخف محمود، مهندس معلوماتية، تأييده كمواطن سوري للفكرة إن كانت حل لباقي الشعب السوري الذي ذاق ويلات الحرب برأيه، وقادرة أن توقف استنزاف الدماء، غير أن بوصفه إذا كانت الفيدرالية أمر محسوم فيتمنى أن يكون تقسيم على أساس غير طائفي أو مناطقي.
أما حمزة، ناشط ميداني، فرفض الفكرة بشكل كامل مشيراً إلى أنها ستقسم البلد بشكل طائفي وتؤدي به إلى الهلاك وإن قامت الفيدرالية في سوريا فسيصبح هنالك لكل حل والي، وستصبح الأمور شائكة ومعقدة جدا في النسيج السوري.