موسكو — سبوتنيك
ويرى الخبراء أن الغاية الأساسية من هذا القرار هو تحفيز المفاوضات الجارية بين الأطراف السورية في جنيف، وكذلك محاولة موسكو رمي الكرة في ملعب واشنطن، التي ما برحت تتهم موسكو بعدم تقديم أي دفعة لعملية التفاوض السلمية.
هذا ويشار إلى أن سحب كافة القوات الروسية المتواجدة في سوريا، لن يتم بشكل كامل، بل ستبقى القوات المرابطة في مطار "حميميم" وميناء طرطوس متواجدة في قواعدها، إذ أكد وزير الدفاع أن التواجد الروسي في ميناء طرطوس البحري وقاعدة "حميميم" الجوية سيستمر بالعمل كالمعتاد. مؤكداً بأنهما ستكونان محميتين برا وبحرا وجوا، وأن الجزء المتبقي من القوات السورية سيشارك في مراقبة وقف إطلاق النار.
بادرة حسن نية
يرى بوريس دولغوف، الباحث العلمي في مركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن الهدف الرئيسي من هذا القرار هو دفع عملية التفاوض السورية — السورية.
ويضيف الباحث: "إن هذه الرسالة، موجهة لأولئك المشاركين في المحادثات بين الحكومة السورية والمعارضة، لحثهم على إيجاد حلول وسط، للبدء بالعملية السياسية في سوريا".
وتابع دولغوف أن "الرسالة الثانية — موجهة نحو شركاء روسيا الغربيين، وشركائها من دول الخليج، لحثهم على التركيز في سياستهم على عملية السلام وإيجاد حل سياسي".
من جانبه، يعتبر ستانيسلاف إيفانوف، أحد كبار الخبراء في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن قرار بدء سحب القوات الروسية من سوريا، أتى في الوقت المناسب، ذلك لتوافقه مع بدء المفاوضات بين الأطراف السورية. وأوضح إيفانوف بأن القوات الجوية الفضائية الروسية، قامت بتنفيذ مهمتها الرئيسية، المتمثلة بخلق ظروف ملائمة لبدء عملية السلام في سوريا.
وأردف إيفانوف قائلاً: "إن الخطوة الروسية أتت بالذات، عشية بدء جولة جديدة من المفاوضات "السورية — السورية"، وبعد أن تم فتح الممرات الإنسانية، وانخفاض تدفق اللاجئين من سوريا، واعتبر القرار الروسي بأنه خطوة من العيار الثقيل، لذلك ينبغي له أن يلعب دوراً إيجابياً".
وأشار المستشرق إلى أن هذه البادرة، هي إشارة لجميع المشاركين في عملية التفاوض، سواء لحكومة الأسد أو للمعارضة المسلحة والأكراد وغيرهم من الأطراف الصغيرة المشاركة، بأن مصير سوريا بات في أيديهم.
وقال إيفانوف: إن هذه الخطوة، هي إشارة إلى جميع الأطراف المعنية… وهي بادرة حسن نية من قبل روسيا، التي لا تفكر بالبقاء في سوريا إلى الأبد، ولا تسعى لتمديد صلاحيات الأسد بالقوة".
ويرى الخبير الروسي أن القيادة الروسية أكدت مجدداً على أنها "تسعى إلى توفير فرصة للسوريين ليقرروا مصير بلدهم بأنفسهم، وأنها ستدعم أي قرار يتم اتخاذه من قبل السوريين بهذا الشأن".
على صعيد متصل، يرى الخبير العسكري الروسي ميخائيل ريابوف، أن الهدف من هذا القرار هو تكثيف مشاركة روسيا في العملية السياسية السلمية في سوريا.
ويعتقد ريابوف أن "روسيا اتخذت هذه الخطوة لتكثيف مشاركتها في تنظيم عملية السلام في سوريا… ومن أجل تعزيز موقف الأسد، بحيث تتبلور مهمته ليكون بمثابة شخص تنحصر مهمته الرئيسية في ضمان السلام لبلاده، والمحافظة على وحدة أراضيها".
وأضاف ريابوف أن "الكرة، كما يقال، باتت الآن في ملعب المعارضة والأميركيين. سنرى كيف سيكون الرد على هذه المبادرة الروسية. ينبغي على روسيا التصرف بسرعة كي لا يسبقنا الأميركيون في اختطاف المبادرة من أيدينا في هذه المسألة".
لا ينبغي توقع حدوث انفراج في جنيف
هذا ولا يعتقد الخبير بوريس دولغوف في إطار حديثه عن المفاوضات السورية — السورية في جنيف، أنه سيحدث انفراج في الجولة الحالية من المحادثات في قضية إطلاق العملية السياسية، والتوصل إلى حل للأزمة السورية.
ويؤكد دولغوف أن هناك حاجة لهذه الجولة من المفاوضات، لكنها ليست سوى جولة من جولات عدة، ولا ينبغي توقع حدوث انفراج نتيجة لهذه الجولة".
وأوضح دولغوف بأنه لا ينبغي توقع حدوث تقدم ملموس في المفاوضات ما لم يكون هنالك توافق عام في الآراء ضمن صفوف المعارضة ذاتها، وإذا لم تغير هذه المعارضة مطالبها المتمثلة برحيل الرئيس الأسد وغيرها من الشروط والمسبقة المعرقلة لعملية التفاوض".
ويقول دولغوف: "لا يمكن توقع حدوث أي نجاح ممكن ما لم تكون هناك مفاوضات بدون أي شروط مسبقة".
محاربة "داعش" مستمرة
وتعليقًا على بداية انسحاب القوات الروسية من سوريا قبل السيطرة على معاقل تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة الرقة، أوضح الخبير العسكري ميخائيل ريابوف بأنه سيتم الاحتفاظ بمجموعة معينة من القوات الروسية في الجمهورية العربية السورية، وهو ما يعني أن العملية لا تزال مستمرة.
وقال ريابوف: "إنه من الصعب الآن تحديد، بأي حجم سيتم خفض هذه المجموعة. من الضروري معرفة حجم المهام الملقاة على عاتقها".
واستطرد قائلاً: "علاوة على ذلك، فإن مستشارينا سيبقون في الوحدات السورية، والذين يعود الفضل إليهم في الانتصارات التكتيكية التي تحققت، وفي تحسين خدمة الأسلحة والمعدات العسكرية".
أما بخصوص التوقعات في ساحة المعركة، فإن الخبير العسكري يعتقد بأنها تعتمد على "مدى المضي قدماً في مفاوضات السلام، وبمدى ما نحن قادرون (أو غير قادرين) على الاستمرار في التوافق مع الأميركيين".
بدوره، يعتقد بوريس دولغوف أن السيطرة على الرقة هي مسألة وقت لا أكثر، نظراً لأن الهجوم عليها، تشارك فيه بضعة قوى، بما فيها الجيش الحكومي وقوات حماية الشعب الكردية.
وقال دولغوف: "أعتقد أنه عندما تم اتخاذ القرارات العسكرية، فإن عملية الاستيلاء على الرقة، اعتبرت مسألة وقت لا أكثر، نظراً لأن الهجوم عليها يجب أن تشارك فيها عدة قوى".
هذا وما تزال ردود الأفعال على قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متسمة بالحذر والانتظار نظراً لأن القرار كان مفاجئاً للعديد من الأوساط السياسية العالمية والعربية.