كيف ترى مستقبل العلاقات المصرية الروسية في كافة المجالات؟
الحقيقة أن العلاقات المصرية الروسية منذ الأزل كانت علاقات صداقة حقيقية واستراتيجية. مصر عندما كانت تتعرض للأزمة أياً كان نوعها لم تكن تجد إلا الصديق الروسي. وهذا في حد ذاته يمثل إشكالية، عندما تكون العلاقة بين دولة كبيرة ومحورية مثل مصر ودولة عظمى مثل روسيا هي علاقة الالتجاء عند الحاجة. أظن أن في الثلاثة عقود الماضية لم تكن مصر قد حسمت خيارها أن روسيا صديق استراتيجي. مصر بعد حرب أكتوبر 73 شهدت تحولا كاملاً في اتجاه علاقتها مع الغرب وأمريكا. في وقت الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس الأسبق حسني مبارك كانت هناك علاقات وطيدة مع الغرب، وشكلية مع روسيا. الآن هناك رغبة سياسية في مصر لتوطيد هذه العلاقات لكن هذا ليس كافيا، حيث أنه لا تبنى العلاقات بالرغبات. فالرغبات يجب أن تكون مربوطة بقرارات وإمكانيات وبصياغة لأسس هذه الرغبات.
فعلى استحياء شديد تتفاعل أجهزة الحكومية البيروقراطية مع توجهات الدولة في استراتيجية العلاقات. الحقيقة أنه ما أبدته الحكومة الروسية والجهات المسؤولة في روسيا عن فتحها للسوق الروسي أمام البضائع الرسمية وعن وعدها بعدم التعنت في الفحص الصحي للمنتجات المصرية، بل وموافقة الجانب الروسي على قيام لجان للتفتيش على هذه المنتجات قبل تصديرها كان أقصى ما يمكن أن يقدم من صديق استراتيجي لدولة صديقة كمصر. لكن التجاوب محدود جداً. روسيا في حاجة للمنتجات المصرية، لكن مع هذه الحاجة للمنتجات المصرية فالأرقام لم تعكس التجاوب المراد من قبل رجال الأعمال. هذا من ناحية الميزان التجاري الذي هو معتل بشدة نتيجة قصور الصادرات المصرية بصفة عامة، وإلى روسيا خاصةً.
فيما يتعلق بمجالات التكنولوجيا الحديثة، فأظن أن مصر حسمت خيارها في الفضاء، فهي تتعامل مع روسيا كشريك استراتيجي. حدثت بعض المشاكل للقمر المصري، الذي أطلق في أبريل (نيسان) 2014، خارجة عن إرادة الجانب المصري والجانب الروسي، لكن الجانب الروسي أكد التزامه، حيث أن المشكلة حدثت للقمر خلال فترة الضمان، أكد الجانب الروسي بتعويض القمر المفقود بقمر جديد على نفقة الجانب الروسي وهذا ما يجري العمل عليه الآن. من المرجح أن يطلق في خلال سنتين من الآن، أي أواخر عام 2018، أوائل عام 2019. بهذا روسيا تؤكد أن علاقاتها بمصر علاقة استراتيجية، خصوصاً في مجال تطبيقات التكنولوجيا الحديثة.
ماذا عن المشروع القومي بالضبعة، والذي ينتظره الملايين من المصريين؟
فيما يتعلق بالمشروع النووي، ففي الحقيقة فإن هناك استفسارات يصعب الإجابة عليها. ففيما يتعلق بالتعاون النووي كان من المفترض في فبراير(شباط) 2015، وقت زيارة الرئيس الروسي للعاصمة المصرية، وقد أعلن هذا، أن يتم التوقيع على العقد الخاص بإنشاء أربعة مفاعلات نووية، هم بمثابة قرض من روسيا قيمته 25 مليار دولار يتم سداده من حصيلة ما يباع من الطاقة الكهربائية، وهو عرض مبهر إذا ما قارناه بالعروض الأخرى، أي أنه بالكامل تمويل روسي بأحدث تكنولوجيا المفاعلات النووية المستخدمة في روسيا. مصر، بإنتاج الحجم المتوقع من هذه المفاعلات وفقاً لدراسة الجدوى، ستنتقل إلى مصاف الدول المشبعة بالطاقة الكهربائية.
لكن على أرض الواقع نفاجأ حقيقة بمشاكل ضخمة جداً، منها أن اتفاقية للتعاون الاستراتيجي في مجال بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية وقعت في نوفمبر2015، وقد دخلت حيز التنفيذ باعتمادها في مجلس الدوما في فبراير من العام الحالي، وكان يجب أن يترتب عليه توقيع عقد تنفيذ هذه المفاعلات، ولكن وللأسف العقد بالرغم من وعود كثيرة من الجانب المصري لم يوقع حتى الآن. وأنا شخصياً أرى في هذا تعطيل لدخول مصر العصر النووي. ليس هذا فقط، لكن يبدو أن أجواء حول هذا العقد غير مرحبة بأن تتعامل روسيا في مثل هذا المشروع الضخم، الذي يحول مصر من دولة مستخدمة للطاقة النووية لتوليد الكهرباء. فبالرغم من وجود عشرات من الخبراء الروس منذ عدة شهور في مصر، إلا أن تجاوب الجهات المصرية في تسهيل البضائع ومكونات وأجهزة قامت روسيا بإهدائها للجانب المصري، فخلقت العراقيل أمامها لدرجة أنه يمر الآن أكثر من خمسة أشهر على وجود هذه الأجهزة في موانئ مصر، وهي معرضة لظروف التعرية، ولم تقم مصر بما يجب أن تقوم به من الإفراج الجمركي عليها، رغم أن هذه الأجهزة هي في هدية غير مدفوعة الثمن مقدمة للحكومة المصرية ورغم هذا فالأدوات البيروقراطية التي تنفذ سياسة الحكومة تعوق الإفراج عنها، بما يؤكد على أنه إذا كانت الدولة عازمة على دخول عصر الطاقة النووية فيجب على الأقل أن تحكم الرقابة على الأجهزة البيروقراطية التي تتعامل معها في مثل هذه الأمور، حيث أنه لا يصح أن تنطلق مصر بأدوات بيروقراطية غاية في التخلف.
يبدو من حديث حضرتك أن هناك عقبات تقف ضد العلاقات المصرية الروسية، هل هذه العقبات متعمدة من بعض المؤسسات، أم أن هناك من لا يرغب في تطور العلاقات المصرية الروسية داخل مصر؟
هذا سؤال يصعب الإجابة عليه، لكن هناك مؤشرات لا تخفي لأي متابع للأحداث، مصر دولة ضعيفة اقتصادياً، مصر دولة تتلقى دعماً ضخماً من المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وهذه الدول بالتحديد لها شروط عند تقديم منح أو قروض، وهذه الدول بالتحديد تلعب دوراً في الضغط على السياسة الروسية نتيجة موقفها من سوريا، فإذا كانت هذه الدول هي معادية للسياسات الروسية في سوريا وفي نفس الوقت السعودية ودول الخليج تقدم عوناً لمصر، أظن أن هذا العون يكون مشروطاً بالتراخي في تعميق التعاون المصري الروسي، هذا من حيث الشكل.
أما من حيث الموضوع، فلكل دولة من يحمي مصالحها. مصر لمدة طويلة كانت في علاقة وطيدة مع المجتمع الغربي وأمريكا، والتي نشأ عن هذه العلاقة لوبيات في كافة مصالح ومؤسسات الدولة. هذه اللوبيات تدافع عن مصالها ومصالح أمريكا. فليس من الغريب أن كبار رجال الأعمال، الذين يحضرون لقاءات رؤساء مصر وروسيا مع بعض هم نفس الوجوه، التي تأتي في مقدمة لقاءات الرئيس المصري مع الإدارة الأمريكية والغربية. أي أننا نتعاون مع روسيا بنفس أدوات التعاون مع أمريكا والغرب. مصر في مرحلة نقاهة وأنا أظن أن الشعب يدعم بشدة التوجهات نحو المزيد من التعاون المصري الروسي وعلى هذا نقامر ونغامر. فالشعب هو الضمانة الحقيقة، الشعب الذي يرفع لوحات الحي والتأييد لروسيا بعد تاريخ طويل من العلاقات المميزة هو الذي سوف يحمي المصالح المصرية الروسية إلى أن يغير الله الأمور للأفضل.