دمشق — سبوتنيك
تاريخيا العنصر النسائي السوري، معروف بشهادات المئات ممن دخلوا التاريخ، إن كان في الحيز الدراسي، كأوائل المراتب على المستوى الوطن العربي، من اللواتي درسن وتخرجن جامعيات وطبيبات ورياضيات وحقوقيات، وسياسيات بشكل مبهر ووصلن إلى مراكز حساسة وعليا في الحكومات السورية، مراكز صناعة القرار، فزنوبيا لا بد أن تكمل مسيرتها بدون انقطاع.
وفي الشق الآخر والمتنامي تدريجياُ بتصاعد تطورات الحرب السورية، ظهرن بشكل ملحوظ ومؤثر كمراسلات وصحفيات في الميدان المحتدم، فبعضهن أخذ على عاتقه الانخراط في المعارك وتغطية سيرها بشكل فعلي بكل تفاصيلها، ولكن على طريقتهن، ليكي لا يخلو كل خط جبهة من تطايرالشعر الطويل الناعم، وكل خندق مواجهة، لابد أن يفوح منه العطر الأنثوي المخلوط برائحة رصاص المعارك.
وكالة "سبوتنيك"، كان لها حديث مطول وحصري مع بعض الميدانيات الصحفيات المتطوعات اللواتي كرسن حياتهن في الحرب السورية، لعملهن وتغطيتهن الحربية بجانب القوات الحكومية في حربها ضد الإرهاب، ليذاع صيتهن على مستوى مختلف ومرتفع عن أي مراسلة تلفزيون مخضرمة.
المصورة الوحيدة
سمر عباس، إحدى المتطوعات في القوات الرديفة للجيش السوري، والمصورة الوحيدة على مستوى سوريا، انفردت بهذا المجال غير العادي على العنصر النسائي، تروي قصتها لـ"سبوتنيك"، قائلة: "في بداية الأحداث السورية كان يستفزني الكذب والنفاق من الإعلام الموجه ضدنا، الذي ظهرت معالم توجهاته مبكرا في بداية المظاهرات والتضخيم الكبير لها، فكنت مباشرة بحكم سكني السابق في العاصمة دمشق، أذهب مباشرة إلى أماكن ما يذاع عبر الإعلام المعارض عن وجود مظاهرات حاشدة وضخمة وألتقط صور الأماكن التي غالبا ما تكون خالية، وأنشرها على صفحتي الشخصية، عبر تواصلي مع أصدقائي من الخارج وأروي لهم الحقيقة وكذب ما يذاع".
وتضيف سمر، "كانت بدايتي في مجال التصوير بما أعتبرها كردة فعل بوجه من يختلق أكاذيب عما يحصل في بلدي، المنعطف الأساسي كان بعد مجزرة جسر الشغور بريف إدلب التي استشهد فيها عشرات من رجال الأمن وذبحوا وقتلوا جميعاً… هنا بدأنا بتمييز الإرهاب من المظاهرات، في الوقت الذي كان هناك هجوم وضغط إعلامي كبير على سيادة البلد وعلى كيان الجيش العربي السوري".
الصدمة الأكبر كانت بتفجير كفر سوسة، هذا ما غير مسار عمل سمر التي تتحدث، عن بدأها بتوثيق فعلي للأعمال الإرهابية في دمشق ومحيطها والذي شكل لديها قناعة تامة بأن الجلوس والمشاهدة لا يجديان نفعا… فقررت أن ترتدي اللباس العسكري وتنطلق بعملها الميداني المصور المنظم.
منطقة داريا بالغوطة الغربية كانت أولى محطات التصوير لسمر، التي وصفت تجربتها الأولى بقولها، "أول تغطية لي كانت في داريا كنت أنا وزوجي الذي استشهد في عام 2013 في نفس الجبهة، استشهاده أعطاني قوة وعزيمة وإصرار على إكمال رسالته، وحرصي الأكبر وهدفي الأساسي في توثيق بطولات جيشنا في كافة الجبهات".
وعن حدوث إصابات وحوادث معها، تحدثت سمر لـ"سبوتنيك"، عن إصابتها ثلاث مرات جراء القذائف والصواريخ في جبهات ريف حماة، ولكن على حد وصفها هذا لم يضعف من عزيمتها أو ضغط عليها للتراجع، لأن الصحفيين تعرضوا للكثير من محاولات الخطف والقتل والاغتيال، ما يدل على صدقهم ومحاولة إسكات الإعلام الخارجي المعادي.
وختمت سمر عباس حديثها لـنا بقولها، "هدفي إما الشهادة أو توثيق النصر".
على الخط الأول
أمام العدسة تظهر تلك المراسلة المعروفة بهجومها الكبير على أماكن الاشتباكات وكأنها ذاهبة لعملية انتحارية ولكن تصويرية وبدون رادع، أفرورا عيسى، المراسلة الميدانية التي ذاع صيتها في السنوات الأخيرة بنقل الأحداث بشكل شجاع مقارنة مع العديد من المراسلين، تتحدث لـ"سبوتنيك"، عن مسيرتها قائلة، "بحكم دراستي الجامعية في فرع الصحافة والإعلام كان مجال الإعلام الحربي حلم بالنسبة لي، ولكن عند بداية الحرب السورية، شعرت أن من واجبي أن أكون سورية حقيقة وأقدم لوطني جزء من روحي وحياتي لأكون شخصية أقوى، وعملت مع العديد من القنوات والنشاطات والفعاليات الشبابية التي كنت أصورها وأنشرها".
"نقطة تحول حياتي كانت استشهاد أخي"، تكمل بهذه الجملة، أفرورا كلامها قائلة، "بعد استشهاده وقفت أمام كل الناس ووعدته أن أمسك سلاحه وأحمل القلم وأكمل مسيرته بعيوني وعيون كل أخوه السلاح، والفناء بالدفاع عن الوطن بالقلم والكاميرا، ومن بعدها صرت أذهب لخطوط القتال الأولى مع رفاق السلاح، الذين كان يزداد حماسهم عند رؤيتي كفتاة معهم على الخط الأول".
وتبين المراسلة، أنه رغم عملها مع العديد من الوسائل الإعلامية، لكن بدأ عملها الميداني الحقيقي عند طلبها من قبل أحد القوات الرديفة للجيش لتكون مراسل ميداني ضمن ساحات الحرب مباشرة، هذا ما ميزها ودفعها لتبقى على الخطوط الأولى مع الجنود.
وعن مشاركة الأنثى السورية في الحرب، تنوه أفرورا، أن الأنثى السورية تمكنت من إثبات نفسها وبإرادتها في الميدان السوري، في ميدان الصحافة والإسعاف الحربي والقتال، وأكبر الأمثلة قناصات داريا البارعات، اللواتي ذاع صيتهن لبراعتهن ومساعدتهن الحقيقية لقوات المشاة.
وتختم أفرورا حديثها، "بعد كل المواقف والمخاطر التي حصلت معي، قناعتي هي أن الحياة موقف كرامة، يتلخص بلحظة، وسيبقى عملنا محفور يكتبه التاريخ، ولن نتوقف حتى إعلان النصر لسوريتنا".
يذكر أن الإعلام السوري فقد عدة كوادر نسائية وبالأخص استشهاد مراسلة قناة الإخبارية السورية يارا عباس، أثناء تغطيتها معارك الجيش السوري في مدينة حمص، عدا حوادث خطف الكوادر الإعلامية من قبل المسلحين في العديد من المناطق.