قرار داود أوغلو جاء وسط انباء تتحدث عن خلافات مع أردوغان بسبب تهميش دور رئيس الحكومة المنوط به وفقاً للدستور الذي ينص في المادة 104 منه على أن صلاحيات الرئيس هي رمزية وليس له مهام تنفيذية "يُعتبر رئيس جمهورية تركيا "رأس الدولة وممثلها الأول" الذي يمثل المواطنين الأتراك جميعًا دون الانتماء لأي حزب أو أيدولوجية معينة وبصفة أساسية يقوم رئيس الجمهورية التركية بمراقبة تنفيذ مواد الدستور التركي بشكلها الصحيح ويعمل على متابعة أعمال مؤسسات الدولة بشكل مُنظم ومُنسق".
وحزب العدالة والتنمية قام عام 2003 بعد عام من قيام حزب أردوغان من تشكيل الحكومة بدأت أولى خطوات السيطرة على مؤسسات الدولية بتعديل دستوري يسمح بتغيير تشكيل مجلس الأمن القومي، الذي كان تهيمن عليه المؤسسة العسكرية، ويهدف إلى تراجع دور المجلس في صناعة القرار السياسي، كما أن التحول إلى النظام الرئاسي يسمح له بترأس المجلس والتحكم في صياغة السياسية الخارجية والداخلية.
تدخلات أردوغان في مهام السلطة التنفيذية باتت مثار استهجان من جانب القوى السياسية المختلفة، فمنذ انتقاله إلى القصر الرئاسي سعى إلى تهميش دور رئيس الحكومة، من خلال الحرص على ترأس اجتماعات مجلس الوزراء، والتدخلات المتواصلة في سياسة الحزب والتي اصبحت مثيرة للجدل وكانت سببا في تراجع شعبية الحزب وخسارته الأغلبية المطلقة داخل البرلمان والتي ظل محتفظاً بها على مدار 12 عام، ولعل القرار الأخير بسحب صلاحيات داود أوغلو في تعيين مسؤولي الحزب في الأقاليم كان بمثابة القشة التي يمكن ان تقصم ظهر البعير.
الانشقاقات في صفوف قيادات الحزب الحاكم بدأت تتزايد في ضوء رفض ما يقرب من 45 بالمائة من أعضاء الحزب غير راضين عن سياسية الحزب واستمرار أردوغان في فرض سطوته والتحكم في قرارات الحزب، بالخالفة للدستور، مما دفع ببعض هذه القيادات إلى الاستقالة والتوجه في اتجاه تشكيل حزب سياسي جديد، ومن بين هذه القيادات الرئيس السابق عبد الله غول وسط انباء عن أن استقالة أوغلو هي رفض صريح لممارسات الديكتاتور، وانشقاق واضح عن رجل لا يبحث سوى عن تحقيق رغبات وتسخير كافة إمكانية الدولة لإشباع غرائزه.
تواجه "تركيا أردوغان" حالة من عدم الاستقرار السياسي الداخلي في ظل عودة المواجهات المسلحة مع الأكراد، وتصاعد حدة التوتر بين الحزب الحاكم الذي لا يزال يأتمر بأوامر العثماني الجديد، والمعارضة التي ترفض الانتقال إلى النظام الرئاسي وتقويض مبادئ الجمهورية، وتتمسك بمواجهة توجهات "الإسلام السياسي"، إلى جانب الوضع الاقتصادي الذي بدأ يتراجع بوتيرة متسارعة، فضلا عن تلك العزلة التي تعيشها انقرة مع دول الجوار وتورط النخبة الحاكمة في دعم الإرهاب والتطرف.
أمواج عاتية من الأزمات المتلاحقة تضرب السفينة التركية، والقيادات التي لم تفلح في إصلاح العيوب وانقاذ السفينة، آثروا الهروب من ديكتاتورية الحاكم الذي لا يسعى حتى لإنقاذ نفسه ومن معه من هلاك محقق.
المقال يعبر عن رأي الكاتب