الحكومة الإسرائيلية غير معنية بالتعاطي ايجابياً مع جهود إعادة إحياء العملية التفاوضية والسياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وسارعت إلى إيصاد الأبواب على حملة المبادرات والتحركات خلال الأشهر والأسابيع الماضية، التي بدأت مع عودة الحراك الدبلوماسي الفرنسي لعقد "مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط"، بعد ما يقارب عامين من إطلاق باريس للفكرة، ومقابلتها من قبل حكومة نتنياهو ببرود، ولم تفلح المؤازرة المصرية في أن تحدث الجهود الفرنسية اختراقاً في حاجز الصد الإسرائيلي، من خلال تقديم مبادرة مصرية داعمة لإعادة المسار التفاوضي، بل جاءت بنتيجة عكسية على ما يبدو، بتوسيع نتنياهو تحالف حكومته اليمينية المتطرفة، لتضم في صفوفها حزب "إسرائيل بيتنا" إلى صفوفها، بزعامة أفيغدور ليبرمان.
البديل الوحيد الذي يطرحه نتنياهو على السلطة الفلسطينية عقد لقاء ثنائي بينه وبين رئيس السلطة محمود عباس، واستئناف المفاوضات المباشرة، وضمن هذه الرؤية الدور الذي يمكن أن تلعبه باريس أو القاهرة أو واشنطن، أو أي عاصمة تتقدم بمبادرات أو اقتراحات، إقناع عباس باللقاء مع نتنياهو وإعادة الوفد الفلسطيني إلى طاولة المفاوضات، دون أي تغيير في أسس وشروط المفاوضات، التي سبق أن وصلت إلى طريق مسدود، ولم تفلح كل المحاولات الأميركية لإعادة إحيائها.
ترجمة ما يريده نتنياهو هي العودة بالفلسطينيين إلى نفق مفاوضات غير منتجة، ولا تقوم على أسس واضحة، وغير مرتبطة بجدولة زمنية محددة وملزمة، ولا شأن لها بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، حتى تستطيع إسرائيل أن تلعب مرة أخرى على عامل الزمن، لاستكمال مخططاتها الاستيطانية في الضفة الفلسطينية المحتلة، لخلق وقائع ديمغرافية لا يمكن تجاوزها بسهولة في التسوية النهائية، وتهويد ما تبقى من القدس الشرقية. وتراهن حكومة نتنياهو على أن الواقع العربي والإقليمي أضعف القضية الفلسطينية وقلل من الاهتمام بها، مما يفرض على الفلسطينيين جملة من الخيارات الصعبة، والمناورة في مساحة ضيقة جداً.
وتحاول إسرائيل أن تسوّق صفقة لعودتها إلى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين، عرابها رئيس وزراء بريطانيا الأسبق والمندوب السابق للجة الرباعية الدولية، توني بلير، تشمل اشتراط أن توافق بلدان عربية على تطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل مقابل موافقة تل أبيب على التفاوض، دون أي التزامات أو تعهدات إسرائيلية مقابلة، تتعلق بأسس حل شامل ومتوازن للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. أو بمعنى آخر تريد حكومة نتنياهو تطبيعاً مجانياً، لاسيما مع دول الخليج العربي، مع تقدير مفاده أن الحالة العاملة المفككة تخدم هذا الابتزاز، بما يتح لها استخدام الحراك الدبلوماسي الدولي والإقليمي لانتزاع مكاسب على حساب الفلسطينيين.
ولا تخفي حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل أنها لا تؤمن بوجود احتمال ولو ضئيل لتسوية الصراع مع الفلسطينيين، وسياسته التقليدية إدارة الصراع مع الفلسطينيين وليس تسويته، والتطبيع مع البلدان العربية لفك الارتباط بين القضية الفلسطينية والعرب، والخروج من خضم الاضطرابات الإقليمية الراهنة بغنائم.
المنطقي في مواجهة هذه السياسات الإسرائيلية أن يرفض الفلسطينيين العودة إلى دوامة المفاوضات العبثية، والتمسك بإعادة بناء العملية التفاوضية على أسس جديدة، واضحة وتستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة، ووضع سقف زمني محدد لها، وأن يعهد برعاية المفاوضات للجنة الرباعية الدولية، كهيئة جماعية، لعدم تكرار الاستفراد الأميركي المنحاز كلياً للجانب الإسرائيلي. وحتى يستطيع الفلسطينيون تحصين أوضاعهم يجب العمل بسرعة على انجاز مصالحة وطنية، تكون متحررة من قيود القطبية الثنائية بين حركتي "فتح" و"حماس".
وإلا فإن حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف ستواصل المراهنة على حلول تسلب حقوق الشعب الفلسطيني، وتعطيل الجهود الدولية والإقليمية، التي يفترض أن تعمل على الحد من اختلال التوازن لصالح إسرائيل، ودعم الفلسطينيين في مواجهة عمليات الاستيطان والتهويد والقتل والتدمير، حتى لا تبقى الأبواب موصدة أمام تسوية شاملة ومتوازنة.
(المقال يعبر عن رأي كاتبها)