وأدلى الشاهد، غانم محمود، الذي خص "سبوتنيك" بقصته لحظة انهيار الأمن في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق بالسكان بعد بغداد العاصمة، ودخول الدواعش في الذكرى السنوية الثانية المصادفة اليوم العاشر من حزيران/يونيو.
لم يحصل غانم (24 سنة) من سكان منطقة الدواسة في الجانب الأيمن من الموصل، على شهادة التخرج من المعهد التقني في المدينة، بسبب استيلاء تنظيم "داعش" على محافظة نينوى ومركزها بالكامل، بالتزامن مع الامتحانات النهائية للمعاهد والجامعات حينها.
وروى غانم في التسجيل الذي صوره من داخل مأوى للمهاجرين لطلب اللجوء الإنساني في فنلندا بأوروبا، قائلا ً "كنت أسكن قرب مقر لقيادة الشرطة في الموصل، في منتصف ليل التاسع من يونيو، انهار الأمن في الجانب الأيمن حيث كنت أسكن في الدواسة…الخطوط العسكرية انسحبت أمام تقدم الدواعش واستيلائهم على المناطق الواحدة تلو الأخرى بالاعتماد على الخلايا الإرهابية النائمة في المدينة".
ووقعت مناطق "شارع الفاروق، وباب الجديد، والنبي شيت" المتقاربة، بيد تنظيم "داعش"…وقتها كان المدنيون في حالة رعب وهلع دفعت الكثير منهم مغادرة منازلهم للهرب من المدينة، وكان غانم وأمه وشقيقاتها الخمسة من بين الذين خرجوا بحثا عن منفذ يبعدهم عن هاوية الخلافة الداعشية.
وأمضوا في الجامع، الليل حتى السابعة صباحاً في العاشر من يونيو…استيقظوا على رصاص لعناصر تنظيم "داعش" في المنطقة، جعل صراخ النساء والأطفال مدويا بخوف وهلع…خرجنا وصدمنا بخلو الشارع من القوات الأمنية واختفائها بانسحابها…يقول غانم، مشيرا إلى قيام أهالي حي البعث بإخفاء أسلحة ومعدات القوات المنسحبة قبل وصول الدواعش".
وسرعان ما صادر عناصر تنظيم "داعش" الأسلحة التي خبأها المدنيون في منازلهم خوفاً من وقوعها بيد التنظيم الإرهابي، لكنها وقعت بسبب وشاية الخلايا النائمة على مُخبئي السلاح.
وألمح غانم إلى تسجيلات فيديوية وصور التقطها بهاتفه المحمول للمنطقة عند وقوعها بيد تنظيم "داعش" الذي أجبره بالتهديد تحت السلاح، على محو كل ما التقطه بكاميرا الموبايل، وفعل ذلك.
وتابع غانم، "تحركنا إلى كراج "مرآب" بغداد، الواقع قرب منطقة باب البيض، ومحطة القطار في الجانب الأيمن من الموصل، وعلى الطريق شاهدنا تنظيم "داعش" ينفذ عملية إعدام ميدانية بحق نحو (15- 20) سائق أجرة من الذين كانوا يعملون على الطريق الرابط بين المدينة والعاصمة، ولحظتها انهارت إحدى شقيقاتي من وحشية المشهد.
واعترض طريقنا أحد عناصر تنظيم "داعش"، وسألني من أين جئتم؟ أجبته أنا ساكن منطقة باب البيض، ونحن في طريقنا لها، وهذه كذبة طليتها عليهم لكي نتخلص منهم…حسبما ذكر غانم، مضيفا "حاولنا التوجه إلى محافظة دهوك التابعة إلى إقليم كردستان العراق، وهبطنا إلى شارع المنصة قرب المعهد التقني حيث كنت أدرس.
وفي داخل المعهد كان يتواجد عدد كبير من عناصر تنظيم "داعش"، رصدهم غانم في طريق عودته إلى منطقة الجامعة، نحو النبي يونس.
وتحول حال المدينة في اللحظات الأولى من سيطرة "داعش" عليها منتصف 2014، إلى مقبرة مكشوفة بعدد كبير من جثث متناثرة في كل مكان تعود لجنود وشرطة، وأعمدة من النار والدخان من نقاط الأمن التي دمرها الدواعش.
أخذتنا أقدامنا إلى معمل "بطاطا" قرب منطقة النبي يونس، وصولا إلى نقاط أمنية نصبها عناصر عراقيون وعرب الجنسية، من تنظيم "داعش"، تعرضوا لنا، وسألوني عن الحقيبة التي أحملها كانت سوداء…قالوا إنها تعود للجيش! أنت جندي…وضربوني ضربا مبرحاً.
ويستذكر غانم، أحد الدواعش الذين ضربوه، كان سوري الجنسية، لم يتوقفوا عن ضربي حتى أخرجت لهم هوية الطالب الخاصة بي…والتي أيضا لم تقنعهم وقالوا عنها مزيفة "مزورة"، وكانت حجة منهم للحصول على اعتراف "بأنني من الجيش".
وقضى غانم ساعتين ويديه خلف رأسه، قرب أسرته التي تنتظر الهرب بأعجوبة، حتى توافدت أعداد كبيرة من المدنيين الهاربين، من داخل المدينة، إلى نقطة الدواعش الأمنية، واستطاعت أسرة غانم الخلاص معه بوساطة سيارة أجرة نوع "بيك أب تويوتا"، صادفوها على الطريق.
وبعد معاناة وملاحقة من الدواعش، و11 ساعة من السير على القدم، وصل غانم وأسرته إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، ومنها عادوا إلى منطقة أمنية في العراق للبدء بحياة من الصفر بلا مال وسكن وسط صراع مجتمعي.
وتعيش الموصل أسوء أيامها بيد تنظيم "داعش" الذي يختلق أبسط الحجج لقتل المدنيين، ومنهم مثال ذكره غانم في شهادته عن صديقه الذي جلده الدواعش بـ90 جلدة مع غرامة مالية لكونه عبر عن فرحة لحظة فوز فريق ريال مدريد الأسباني في إحدى المباريات التي لا يشاهدها الشباب، وإنما عدد الأهداف يصلهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المتابعة بسرية تامة من قبل المدنيين.
وتسبب تنظيم "داعش" بتفريغ نينوى ومركزها الموصل، من الأقليات "المسيحية، والإيزيدية، والشبك، والتركمان" بين القتل والتهجير وتدمير تاريخهم الإنساني الأقدم في المنطقة، بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبها التنظيم بحق المدنيين من كل المكونات، دمر المعالم الأثرية البارزة والنفيسة في الموصل ومنها آثار المتحف والبوابات الآشورية مع زوجين من الثيران المجنحة التي يقدر عمر الواحد منها بـ7 آلاف سنة.