بات القتل و رائحة الدم مشهداً شبه اعتيادي بالنسبة للكثيرين، والهجرة مستمرة طيلة تلك السنوات ، وقد تستمر لسنوات أُخرى، حين تتحدث مع أي مواطن سوري فاعلم أنه إما نازح من أحدى المناطق الغير أمنة أو فقد فردًا من أفراد عائلته، أو فقد مدينته بالكامل، وهذا ما يبدو وبشكلٍ ملحوظ على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي، فإن جميع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، يصنعون صفحاتهم من أجل التواصل مع المجتمع ومشاركة أخبارهم ويومياتهم، وهذا ما جعل من فيسبوك السوريين، دفترًا لمذكرات الحرب، رغم اختلاف القصص بين الشخص والآخر ولكن المعاناة كانت واحدة..
الفيس بوك الوسيلة الوحيدة
"الحمد الله نجونا من الغرق ووصلنا على ألمانيا بعد مشوار طويل.." نزلت هذه الكلمات مع عدة صور لشوارع ألمانيا على حائط فيس بوك للاجئ سوري وصل لتوه إلى هناك.
أحمد أمدار لاجئ سوري في ألمانيا، يرى أن الفيس بوك هو النافذة الوحيدة التي يطل منها على بلده سوريا، ويطمئن من خلالها على أصدقائه، ويشاركهم أخباره ويومياته في بلاد المنفى… "
يقول أحمد لـ "سبوتنيك " فرحت في البداية عند وصلي إلى ألمانيا، كنت أظن أنني هربت من شبح الموت الذي يسيطر على جميع أنحاء سوريا، ولكن رغم قساوة الحرب فأن العيشة في سوريا أشرف لنا كسوريين، فاليوم لا وسيلة لي للتواصل إلا عبر الفيس بوك لذلك أقوم بتدوين كل جزء من حياتي على حائط الفيس بوك.
يفرح بطريقته الخاصة..
أيضًا عامرعيسى، وهو مهندس يضع صورة لأخيه المحامي حبيب عيسى، الذي خرج من سجن التوبة في عدرا العمالية بعد أشهر من مكوثه هناك وذلك بعدما تم تحريرها من قبل الجيش السوري ويكتب فوقها: الصورة ذات اللحية المبجلة هي للشهيد الحي المحامي حبيب عيسى، يوم تحريره من عدرا العمالية، بعد سبعة أشهر قضاها، مع زملائنا في ربيع دمشق، ثمنًا لقول الحق، ثم بعد أيام يرى أنه لا يستطيع الوصول إليه ليهنئه، فيبعث له هذه الرسالة عبر فيس بوك: "مرحبًا بك يا حبيب!
3500 بوست منذ استشهاد ابنتها..
أما منى، والدة لطفلة استشهدت في حلب جراء قذائف الغدر والإرهاب، كان منفسها الوحيد لإطلاق العنان هو الفيس البوك، حيث قامت بإنزال صور طفلتها الوحيدة إضافة لمشاركتها في حملات الإغاثة لمساعدة المتضررين جراء القذائف في مدينتها حلب، فقد أنشأت صفحتها على الفيسبوك فقط من أجلها، وباتت تدون لها بين الحين والآخر "بوست" يعبر عن حالتها في غيابها.
يقتصر البوست أحيانًا على الدعاء والتوسل إلى الله لإنقاذ أطفال سوريا من الإرهاب، وأحيانًا تكتب له الشعر، أما عندما يطفح الكيل وتشعر بجرعة زائدة من الفراغ والوحدة في غياب سارة تكتب بوست إما تدعو فيه الخلاص، أو تشتم أحيانًا.
تقول منى: لـ "سبوتنيك" أقول بوضع رقم لكل بوست أكتبه لتدون أعداد الحالات التي كتبتها على حائطها في فيسبوك، وقد وصل رقم آخر بوست نشرته على صفحتها إلى 3500 بوست، منذ استشهادها في منتصف العام 2014 إلى الآن..
عل والدي يعود..
أما يوسف المعلا الذي خطف والده على طريق حماة أثناء سفره إلى القرية.. وبعدما فقد الأمل بالعالم الحقيقي للوصول إلى خاطفي والده.. توجه إلى العالم الافتراضي عله يصل إلى من يتعرف على والده..
وهذا حال البقية، الجميع ذاقو المذاق نفسه، والمعاناة واحدة، غير أن القصص تختلف، وتتراوح بين الموجعة البشعة وبين الحلوة المعبرة، الكثير الكثير من الصفحات تغص بالأخبار والذكريات، لأناس أصبحوا مواطنين في العالم الافتراضي، لاجئين في عالم الواقع.