الهدف من تأسيس الـ "ناتو" عام 1949 كان عسكرياً لمواجهة حلف "وارسو" و مع انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء حلف "وارسو" استمر الغرب في تعزيز القدرات العسكري لحلف الـ "ناتو" والاقتراب من الحدود الروسية، وإجراء مناوراته المتواصلة في دول شرق أوروبا، بما يعكس رغبة الولايات المتحدة في استمرار التصعيد مع روسيا وخلق أجواء من التوتر في العلاقات بين الجانبين.
وبينما تتكبد أوروبا الخسائر من استمرار فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا، تواصل واشنطن العمل على توتير العلاقات بين بروكسل وموسكو، وخلق مساحات جديدة ذات طابع اقتصادي تقود فيها أوروبا من خلال الدول الاعضاء في "ناتو" وحتى تتمكن من تمرير اتفاق الشراكة والمعروف باسم "الشراكة عبر الأطلسي" أو Transatlantic Trade and Investment Partnership.
لا شك أن العلاقات التجارية بين أوربا والولايات المتحدة كبيرة ومن شأن اتفاق الشراكة تعزيز اقتصاد الطرفين، لكن المخاوف التي تنتاب الأوروبيين على المستوى الشعبي والرسمي، يقف عائقا أمام رغبة واشنطن في التوصل إلى اتفاق وفق شروطها، إدراكاً بأن الاتفاق يحقق مصالح الشركات العملاقة ـ متعددة الجنسيات، والمجموعات المالية الكبرى ـ خصما من حساب البيئة والمستهلكين، وسيحرم الدول من خياراتها الاقتصادية، كما يستهدف الحد من تطور الدول النامية، في ظل التقارير الرسمية الغربية المثيرة للقلق حول تفوض هذه الدول على الدول المتقدمة بحلول عام 2030.
جولات الحوار التي عقدت بين الجانبين والتي كان آخرا في أبريل/نيسان الماضي في الولايات المتحدة، تشير إلى تمسك واشنطن بالاتفاق وفق رؤيتها، وأن هناك بُعد استراتيجي للاتفاق مرتبط بالوضع السياسي الراهن للقارة العجوز ومستقبل المنطقة بأكملها، وهذا ما أكد عليه سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الأوروبي موضحاً أن هناك اسباب جيو ـ استراتيجية مهمة للتوصل إلى اتفاق الشراكة مع أوروبا".
الاتفاق سيؤدي إلى انفتاح السوق الأوروبية على الأمريكية وإغراقها بالبضائع الأمريكية خاصة تلك المعدلة وراثياً وباللحوم التي يرفضها الأوربيون لأنه يتم تطهيرها بالكلور، كذلك هناك قلق أوروبي على المؤسسات المالية وبالتالي على الاستقرار المالي.
الولايات المتحدة تهدف من الاتفاق السيطرة على أوروبا بشكل كبير في إطار يحقق مصالحها دون النظر إلى مصالح شعوب المنطقة، كما تسعى إلى أن تكون أوروبا رأس حربة في مواجهة التحالفات الاقتصادية التي تضم روسيا والصين مثل "شنغهاي للتعاون" و "بريكس" والاتحاد الاقتصادي "الأورو ـ آسيوي" والاتحاد الجمركي، والتي بات لها تأثير قوي على منطقتي آسيا وأوروبا وعلى الاقتصاد العالمي، كما من شأن تعاظم دور هذه المؤسسات، التقليل من دور المؤسسات المالية الدولية التي تقودها واشنطن للضغط على دول العالم.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)