عقب تولي الملك سلمان سدة العرش في السعودية، تغير المشهد العام في المملكة وظهرت شخصيات جديدة داخل دائرة صنع القرار. ومن أبرز بل وأهم هذه الشخصيات الأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي تولى حقيبة الدفاع الى جانب منصب النائب الثاني للملك، وأصبح الجميع مطالب بتقديم الدعم اللازم لنجاح النخبة الجديدة التي قدمت رؤية جديدة حول مستقبل المملكة في الداخل والخارج.
انطلق الأمير في أولى جولاته الخارجية لتقديم نفسه الى العالم. وساد شعور لدى المجتمع الدولي بأنه الأكثر تأثيرا في صناعة القرار السعودي بعد الملك، فأصبحت تحركات ومباحثات الأمير تحظى باهتمام، خاصة من جانب واشنطن المرتبطة بالسعودية ارتباطا تاريخيا، دفع الأمير الى تكرار زيارته الى بلاد "العم سام" ومواصلة اللقاءات مع المسؤولين رغم الفتور الذي طرأ على العلاقات بسبب تصريحات الرئيس الأمريكي ونائبه حول أسباب انتشار الاٍرهاب في العالم، ما جعل الملك سلمان يقاطع القمة الأمريكية الخليجية الأولى، ويلتقي أوباما بفتور خلال القمة الثانية بالرياض.
في عالم السياسة تتعدد الطرق والسبل لرد الصاع صاعين أو على اقل تقدير ان تكون المعاملة بالمثل، وكذلك فيه تغليب المصلحة على اي اعتبارات أخرى. وخمسة أيام من الانتظار حتى يفتح البيت الأبيض الباب مستقبلا الأمير الذي بدأ زيارته في 13 يونيو/حزيران الجاري، تطرح الكثير من التساؤلات مع بدء ادارة أوباما في لملمة الاوراق والملفات استعدادا للرحيل، وبعد قمة الرياض وما شهدته في ضوء اتهامات متبادلة بين الخلجيين والأمريكان بدعم الاٍرهاب والتطرف.
البيان الرسمي المعلن قبل الزيارة لم يذكر بشكل صريح وواضح باللقاءات التي يتضمنها برنامج الزيارة، وأشار الى لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، بينما أكد على لقاء الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون؛ الأمر الذي يعطي انطباعا بان لقاء البيت الأبيض لم يكن مؤكدا من قبل؛ وهذا ما يفسر تأجيل الزيارة المقررة الى مقر الأمم المتحدة في نيويورك؛ والفترة القصيرة التي استغرقها اللقاء على خلاف اللقاءات السابقة.
محاولات تجري لتخفيف حدة الأزمة مع البيت الأبيض، في ضوء اعتماد الرياض على دعم واشنطن في كثير من الملفات، لا سيما المتعلقة بالتغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط، خاصة الأزمتين السورية واليمنية؛ بينما يواصل أوباما التنصل من المسؤولية عما يجري في المنطقة من انتشار للإرهاب والتطرف.
الانتخابات الرئاسية تقترب في ظل قلق من وصول الجمهوريين الى البيت الأبيض بسبب المواقف الحادة تجاه سياسة الرياض؛ وصل الى اتهام السعوديين بالتورط في احداث سبتمبر/أيلول 2001 والسعي لإصدار قانون يسمح بمقاضاة المملكة وحصول أهالي الضحايا على التعويضات القانونية.
يتصاعد الجدل في الشرق الأوسط وفي الداخل الأمريكي حول التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تمويل سعودي لحملة المرشح الديمقراطي للانتخابات وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
وصول الجمهوريون الى البيت الأبيض، بالتزامن مع السيطرة على مجلسي التشريع — النواب والشيوخ — من شأنه تغيير السياسة الأمريكية تجاه عدد من القضايا التي تشغل المجتمع الدولي؛ ويفسد الكثير من استراتيجية المملكة في منطقة الشرق الأوسط؛ ومن هنا تبدو مصلحة الرياض في ضرورة وقف الزحف الجمهوري تجاه مؤسسات صنع القرار.
لا تزال الرياض تراهن على الدعم الأمريكي في كثير من القضايا ذات البعد الاستراتيجي إقليميا، وتلك التي تتعلق بالسياسية الداخلية وبالتنمية الشاملة لقطاعات مختلفة من الاقتصاد وسبل الاستفادة من الموارد الطبيعية؛ فهل يتوافق "العم سام" مع طموحات الأمير ويعزز من فرص نجاح رؤيته خاصة وأن نجاحها مرتبط بشكل كبير بالمؤسسات المالية الكبرى في "وال ستريت"، مقابل تفاهمات تحافظ على مصالح واشنطن في المنطقة؛ أم أن العم سام سيدفع الأمير الشاب إلى مواصلة الاستجابة لرؤية واشنطن للمنطقة؟.
هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة بعد التعرف على هوية السيد الجديد للبيت الأبيض وسياسته تجاه الممالك العربية في ضوء الوضع الراهن إقليمياً ودولياً.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)