لكن مع تطورات الأحداث وتباين الرؤى الاستراتيجية؛ عملت إسرائيل على تقوية نفوذها داخل الولايات المتحدة، بينما تكتفي المملكة بمواصلة سياسة المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، والاعتماد على الدعم الذي اعتُبر نوعا من الحماية الأمريكية، وذلك رغم الخلافات التي طرأت على مواقف البلدين فيما يتعلق بقضايا العالمين العربي والإسلامي.
الارتباط الذي جمع واشنطن بتل أبيب؛ كان بمثابة الباب الذي دخل منه اللوبي اليهودي للسيطرة على صناعة القرار السياسي الأمريكي والتحكم في سياسة واحدة من أكبر دول العالم المعاصر؛ بينما تواصل السعودية الدوران في فلك الإدارات المتعاقبة ما بين الجمهوريين والديمقراطيين.
كتاب الدبلوماسي الأمريكي المعروف، جورج بول، الصادر عام 1992، والذي حمل عنوان "الارتباط العاطفي: التورط الأمريكي مع إسرائيل"، كشف عن مدى سيطرة اللوبي اليهودي على صناعة القرار الأمريكي، وأن الأمريكيين عجزوا عن تنفيذ وصية "جورج واشنطن" التي حذرهم فيها من جعل سياستهم الخارجية رهينة أي ارتباط عاطفي مع دولة أجنبية.
"جورج بول" هو أحد المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين اقتربوا من صناعة القرار الأمريكي في أدق المراحل التاريخية لمنطقة الشرق الأوسط، واقترب كثيرا من منصب وزير الخارجية لكن مواقفه المعلنة تجاه إسرائيل كانت بمثابة الحاجز الصلب الذي منع مروره إلى إدارة الدبلوماسية الأمريكية.
والكتاب يكشف خفايا العلاقات بين الدولة العبرية والرؤساء الأمريكيين الذين رضخوا للضغوط الإسرائيلية التي أصبح لها تأثير هو الأقوى في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية منذ عام 1948 حتى الآن. وهذا ما دفع السناتور ويليام فولبرايت، الذي ترأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الى القول "أي سياسي دخل في خلاف مع حكومة إسرائيل؛ كان كمن يحمل رأسه على كفه".
الرئيس الأمريكي بارك أوباما لم يستطع تنفيذ ما وعد به العالم الإسلامي في خطابه الشهير بجامعة القاهرة، بسبب موقف الحكومة الإسرائيلية من سياسة أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض، كما أن أوباما ظهر بمظهر العاجز خلال سنوات حكمه أمام نتنياهو، وبات غير قادر على ممارسة أي ضغوط، بل تقديم مزيد من الدعم العسكري.
في المقابل؛ لا توجد أي ردود فعل حاسمة حول الهجوم الضاري للإدارة الأمريكية على المملكة ودول الخليج، رغم أن الاتهامات جاءت بشكل واضح وصريح وعبارات لا تقبل التأويل على لسان الرئيس الأمريكي ونائبه، بالتزامن مع مناقشة الكونغرس مشروع قانون يحمّل السعوديين المسؤولية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001.
الزيارات المتعاقبة للوفود الرسمية السعودية والتي كان آخرها تلك الزيارة التي استمرت أكثر من أسبوع لوزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، الذي صعد فجأة إلى مثلث الحكم في المملكة، ثم زيارة وزير الخارجية عادل الجبير، في محاولة للحصول على دعم المؤسسات الأمريكية، رغم ما يفترض أن تكون عليه العلاقة على أقل تقدير حتى انتهاء فترة حكم الإدارة الحالية، إنما تعكس استمرار العمل وفق المعايير والمبادئ القديمة التي تحكم العلاقة بين البلدين، وعدم القدرة على فرض معطيات جديدة في العلاقات مع واشنطن، أبعد من تلك التصريحات التي تستهدف تهدئة الداخل بينما لا صدى لها في الخارج.
تعاقبت الإدارات الأمريكية وتولى الرئاسة رؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ولم تتغير المبادئ وقواعد الارتباط بالرياض وتل أبيب، وبينما تظل الأخيرة قادرة على التأثير في مجريات وصناعة القرار السياسي على الجانب الغربي من الأطلسي، تواصل الأجيال السعودية المتعاقبة المحافظة على المبادئ القديمة التي اعتمد عليها الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، في حماية مملكته.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)