جاء تقرير لجنة "تشيلكوت" الذي تأخر نشره لأسباب غير مفهومة، مقدما "توني بلير" قربانا للرأي العام البريطاني، كما أنه توثيق جديد لصحة الموقف الروسي مما يجري في المنطقة.
التقرير ينفي وجود مبررات لغزو العراق ويكشف حقيقة سياسة الغرب ورؤية صانع القرار للدول العربية الكبرى، ومخطط تغيير أنظمة الحكم دون اعتبار لحق الشعوب في تقرير المصير ودون اعتبار لدور مجلس الأمن الدولي في تحقيق السلم والأمن الدوليين.
جاء تشكيل اللجنة بضغط من أهالي الجنود البريطانيين الذين سقطوا في الحرب بين قتيل ومصاب، وبهدف تحديد المسؤولية عن انتهاك آليات صناعة القرار السياسي في بريطانيا والقواعد المنظمة لإرسال الجنود الى خارج البلاد، فصدر قرار رئيس الوزراء السابق "جون براون" عام 2009 بتشكيل لجنة مستقلة تركز في عملها على الأحداث التي أدت إلى غزو العراق عام 2003، وصحة التقارير التي استند إليها رئيس الحكومة على اتخاذ قرار التدخل العسكري، ودور كل من وزير الخارجية آنذاك، جاك سترو، ورئيس جهاز المخابرات الخارجية "إم أي 6"، ورئيس لجنة الاستخبارات المشتركة، جون سكارليت، ووزير الدفاع، جيف هون، ووزيرة التنمية الدولية، كلير شورت.
استمعت اللجنة الى أكثر من 150 شاهدا، وعقدت 200 اجتماع مع مسؤولين حكوميين، وراجعت الآلاف من الوثائق الحكومية، التي انتهت إلى أن المشاركة في الحرب على العراق بُنيت على معلومات استخباراتية وتقديرات "باهتة" أو "ضعيفة" وأن بريطانيا أضعفت سلطة مجلس الأمن.
لا جديد في تقرير لجنة السيد "تشيلكوت" حول شرعية الغزو وإعلان الحرب في ظل فرص الحل السلمي، ما يعكس حقيقة أن بريطانيا والولايات المتحدة انتهكتا ميثاق الأمم المتحدة انتهاكا صارخا بالتدخل العسكري في شؤون دولة مستقلة عضو في المنظمة الدولية، وكانت هناك استهانة بتداعيات الغزو، وأن بريطانيا اجتاحت العراق عسكريا بشكل سابق لأوانه في عام 2003.
وبالعودة الى تاريخ العدوان على العراق، نكتشف أن تقرير اللجنة جاء متسقا مع موقف كل من روسيا وفرنسا وألمانيا والصين من الغزو، كذلك تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي أعلنت في 9 يناير/ كانون الثاني من العام 2003 عدم العثور على أي أدلة قاطعة في بحثهم عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، في حين أعلن بلير في 13 يناير/ كانون الثاني، أن بريطانيا ستخوض الحرب ضد العراق مع الولايات المتحدة بدون قرار من الأمم المتحدة.
كذلك قدم مدير الوكالة الدولية آنذاك "هانز بليكس" تقريره الأخير عن إلتزام العراق بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441، وبالتالي لم يعد هناك مبرر للحرب، وهذا ما يفسر تورط الاستخبارات الأمريكية في "فضيحة" التقرير المزيف الذي قدمه وزير الخارجية "كولن باول" إلى مجلس الأمن في مارس/ آذار من العام 2003 حول مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
وثائق تقرير "تشيلكوت" تفتح الباب أمام محاكمة رئيس الوزراء السابق "توني بلير" أمام القضاء البريطاني، بسبب توريط بلاده في الحرب على العراق إلى جانب الولايات المتحدة بإرسال أكثر من 40 ألف جندي إلى العراق ومقتل 176 منهم؛ فضلا عن تحمل الخزينة البريطانية ما يقرب من 10 مليار جنية إسترليني تكلفة المشاركة في الغزو.
محاكمة المتورطين في جرائم الحرب التي وقعت ولا تزال تقع في العراق تتطلب تحرك جدي من جانب المحكمة الجنائية الدولية تجاه رئيس الوزراء السابق "توني بلير" والرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" لكن الأمر يتوقف على قرار من مجلس الأمن الدولي الذي سيصطدم بـ"فيتو" أمريكي.
يبدو أن تقرير "تشيلكوت" لن يتجاوز ردود الفعل السياسية من جانب المجتمع الدولي وإجراءات قضائية محلية، مرهونة باعتبارات مختلفة، بينما يبقى عاجزا عن عودة العراق إلى وحدته، والقضاء على النعرات الطائفية التي اجتاحت المنطقة.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)