اعترف الجيش الإسرائيلي في بيان صادر عنه، مطلع الأسبوع الجاري، بأن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي فشل في إسقاط طائرة استطلاع دون طيار، حلّقت فوق هضبة الجولان السورية المحتلة، وتم استهدافها بصاروخين من منظومة "باتريوت" أرض- جو الأميركية وصاروخ جو- جو، في حين كانت منظومة "القبة الحديدة" أرض- جو الإسرائيلية خارج نطاق التشغيل لظروف غير معروفة. وأثارت المحاولات الثلاثة الفاشلة نقاشاً ساخناً على مستوى القيادة العسكرية الإسرائيلية ولدى الخبراء والمحللين العسكريين، ومما لا شك فيه أن واشنطن لن تكون بعيدة عن تداعيات الحادث والنقاش الدائر في تل أبيب.
بيان الجيش الإسرائيلي أشار إلى أنه "تم إجراء اتصالات مع روسيا لمعرفة ما إذا كانت هذه الطائرة تابعة لها أم لا"، وأضاف أن "التحقيقات الأولية دلت على أن ثلاث محاولات لاعتراض الطائرة باءت بالفشل، حيث تم إطلاق صارخين أرض- جو وصاروخ جو- جو باتجاهها، إلا أنها لم تصبها، وعادت الطائرة أدراجها إلى الأراضي السورية".
بصرف النظر عن التفاصيل التي جاءت في البيان الصادر عن الجيش الإسرائيلي فإن العنوان العريض الذي دارت حوله نقاشات القيادة العسكرية والخبراء والمحللين الإسرائيليين هو "فشل نظام الدفاعات الجوية الإسرائيلي"، الذي يضم منظومة "باتريوت" الأميركية ومنظومة "القبة الحديدية" الإسرائيلية، وسيفرض ذلك الفشل إعادة النظر بفاعلية تلك المنظومتين وقدراتها العملية على تعقب الأهداف وتدميرها، وبالتالي الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية والأميركية والغربية عموماً.
لإظهار حجم الصدمة، التي أحدثها فشل منظومتي "باتريوت" و"القبة الحديدة"، نأخذ على سبيل المثال لا الحصر، مقالاً كتبه المحلل العسكري والأمني الإسرائيلي المعروف رون بن يشاي، ونشره يوم الإثنين الماضي على موقع "واي نت" الإسرائيلي.
شأنه شأن غالبية المحللين والخبراء العسكريين الإسرائيليين انطلق بن يشاي في مقالته من التسليم بحقيقة فشل نظام الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وانبرى لإثبات ذلك من خلال عرض مجموعة نقاط تفند الدعاية الأميركية والإسرائيلية حول قدرات منظومتي "باتريوت" و"القبة الحديدة"، بخصوص المنظومة الأولى يؤكد بن يشاي أن "منظومة باتريوت، بالرغم من كافة التحسينات، هي منظومة غير مواتية ولا تستطيع اعتراض طائرات في أي ظرف كان، رغم أن نظام التحذير المبكر والرادارات على الأرض، رصدت الطائرة بدون طيار قبيل أن تدخل الأجواء الإسرائيلية بكثير وتعقبتها بدون مشكلات".
وعلل ذلك بالقول: "يرجع هذا الفشل إلى أن "نظام صواريخ أرض — جو المعترضة، تملك قدرات محدودة لتعقب وتدمير طائرة صغيرة وبطيئة نسبياً، إضافة أن المقاتلات الحربية (الإسرائيلية) وصواريخ جو- جو المزودة بها أسرع من اللزوم، وقد تفشل بالإحكام على طائرات صغيرة تطير بارتفاع منخفض وبطيء، كالطائرات بدون طيار وصواريخ الكروز".
وأضاف: "هذه المشكلات التقنية تظهر بشكل خاص في المقاتلات النفاثة والصواريخ الاعتراضية التي تنتج في الغرب، وبشكل خاص في الولايات المتحدة، وهي سريعة، لكنها غير مزودة بأنظمة خاصة كالتي تزود بها المقاتلات الروسية الصنع والصواريخ الاعتراضية". ولا يبدو حسب وجهة نظر بن يشاي أن "منظومة القبة الحديدة" الإسرائيلية أفضل بكثير من منظومة "باتريوت" الأميركية، حيث أن "القبة الحديدية قادرة بدرجة معينة على اعتراض الطائرات بدون طيار"، ويختم بن يشاي بالتأكيد على أن فاعلية المنظومتين في أداء المهام التي أعدتا من أجلها "مشكلة معقدة، واحدة يصعب حلها، ولا بد لسلاح الجو والصناعات العسكرية التعامل معها والرد عليها".
ما الذي يمكن أن يترتب على هذا الفشل؟ القائد الأسبق لسلاح البحرية الإسرائيلية، اللواء احتياط أليعيزر، كتب مقالة في صحيفة معاريف، الأربعاء 20/7/2016، أكد فيها أن "تسلل طائرة دون طيار إلى إسرائيل يمكن أن تكون له نتائج فتاكة للغاية، إذا كانت هذه الطائرة قادرة على حمل مواد ناسفة أو ذخائر يمكنها مهاجمة أهداف داخل إسرائيل، من خلال الالتفاف على المنظومة البرية المكثفة، والمنظومتين المضادتين للطائرات والصواريخ".
لكن لا يبدو أن قادة إسرائيل، ومن خلفهم قادة الولايات المتحدة وحلفائها، سيستخلصون الدرس المفترض، بإدراك أن الترسانات العسكرية، حتى لو امتلكت أسلحة فتاكة وتقنيات عالية، ستبقى فيها ثغرات قاتلة يمكن استغلالها بإمكانيات بسيطة. وبالتالي فإن الترسانات العسكرية لا تغني عن ضرورة احترام القانون الدولي، والابتعاد عن عقلية الحروب والتدمير، والنزول عند متطلبات السلام والأمن والاستقرار، باحترام حقوق الشعوب ومصالحها الوطنية.