حيث قال الرئيس رجب طيب أردوغان: "نريد تطوير العلاقات مع روسيا ورفع مستوياتها وسنتخذ جميع الخطوات اللازمة… تركيا وروسيا عازمتان على تعزيز التعاون بشؤون الدفاع والاستثمار".
منذ اندلاع أحداث ما يُعرف بـ"الربيع العربي" حاولت "تركيا أردوغان" لعب دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط، بدعم جماعات الإسلام السياسي الممثلة في جماعة "الإخوان المسلمين" فكان لها مواقف معروفة مما يجري من أحداث في مصر وسوريا واليمن وليبيا والعراق، حتى تونس التي أشعلت شرارة الاحتجاجات في المنطقة. مواقف كان من شأنها تأزيم العلاقات مع الدول العربية ودول الجوار القريب إلى أن وصلت إلى بروكسل وواشنطن، بسبب ملف اللاجئين، ومحاولات استعادة زعيم "جماعة الخدمة" من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة والذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب الفاشل الذي وقع منتص الشهر الماضي.
تصفير المشاكل
التوجه التركي الجديد جاء بهدف لملمة ما تبعثر من أوراق تركية مهمة للاقتصاد الذي بدأ يتراجع بشكل ملحوظ، كذلك كسر العزلة التي تعاني منها البلاد منذ سنوات نتيجة المواقف السلبية التي صاحبت الأحداث في المنطقة خاصة الأزمة السورية وتورط الحكومة فيها بشكل واضح وملحوظ منذ بداية الأزمة.
والبداية كانت مع إسرائيل، حيث تم الاتفاق على تطبيع العلاقات، كذلك استجاب الرئيس التركي للشروط الروسية من اعتذار وتقديم التعويضات المستحقة، فكانت موافقة موسكو على استقباله في أول زيارة رسمية اعتبرت عنوانا لمرحلة جديدة من علاقات البلدين بهدف تحقيق المصالح المشتركة والبحث عن نقاط توافق في تلك الملفات التي تشهد اختلافا في المواقف.
وحول العلاقات مع مصر، ورغم التوتر المستمر في علاقات البلدين والتصريحات المتبادلة بين المسؤولين، يمارس رجال الأعمال الأتراك، خاصة هؤلاء الذين ينتمون إلى الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" ضغوط على الحكومة تخفيبف حدة التوتر السياسي بين البلدين وفتح المجال أمام عودة الاستثمارات التركية إلى مصر، والاستفادة من الفرص المتاحة في هذا السوق الذي يعتبر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للاقتصاد التركي، وتجنيب علاقات التبادل التجاري تداعيات أي خلافات سياسية.
ماذا عن الـ "ناتو" وواشنطن؟
معلوم أن أنقرة عضو مؤثر وفعال في حلف شمال الأطلسي "ناتو" وتضم تركيا قاعدة عسكرية هي الأكبر للحلف في الشرق الأوسط، إلى جانب تلك التسهيلات التي تقدمها للقوات الأمريكية، وبالتالي فإن تركيا لها دور فعال في الاستراتيجية العسكرية للحلف، وكذلك في التحرك الأمريكي في المنطقة خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية والأوضاع في العراق.
محاولات البعض ربط علاقات التعاون التركي الروسي، بالتوتر الحاصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لا يمكن ان تتسم بالموضوعية، حيث أن كلا البلدين يسعى إلى العمل في إطار تحقيق المصالح المشتركة والتوصل إلى نقطة التقاء في الملفات السياسية التي تشهد خلافات، بينما يسيطر القلق على الغرب وعدد من الدول العربية المتصلة بالأزمة السورية، حول ما يمكن أن تصل إليه علاقات التعاون بين أنقرة وموسكو خاصة في شقها السياسي المتعلق بالشرق الأوسط.
الخلاصة
العقوبات الاقتصادية التي فرضتها روسيا على تركيا عقب الحادث المأساوي للطائرة "سو-24" شكلت عامل ضغط كبير على قطاعات اقتصادية كبيرة، حيث أشار أحدث تقارير البنك الأوروبي للتنمية إلى أن العقوبات الروسية تساهم في انخفاض معدل نمو الاقتصاد التركي ما بين 0.3 إلى 0.7 نقطة مئوية في عام 2016.
والبراغماتية التي تقود "تركيا أردوغان" إلى تبني سياسة خارجية جديدة تقوم على استراتيجية الفصل بين المسارات المختلفة للعلاقات الثنائية وعلاقات التعاون المشترك، بينما الجميع في انتظارخطوات فعلية على أرض الواقع تتسق مع تلك التصريحات التي انطلقت من هنا وهناك حول سياسة خارجية تقود إلى التعاون، لا فرض الأمر الواقع وخطوات جادة لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف، بمعنى آخر أن تتحول التصريحات السياسية إلى واقع يلامس الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)