أعادت الاحتجاجات التي اندلعت مؤخراً في أثيوبيا الأذهان إلى أحداث تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي وأدت إلى مقتل ما يقارب 400 من المحتجين، وأعمال العنف التي رافقت الانتخابات التي أجريت عام 2005، وذهب ضحيتها 200 شخص، وبرز في المظاهرات الأخيرة على نحو لافت، وفي اتجاهين متعاكسين، الطابع العرقي والقبلي، أكثر نسبياً من الاحتجاجات السابقة.
الاتجاه الأول: في خلفية الاحتجاجات لا يمكن القفز عن وجود صراع مصالح عرقي بين عرقي "الأورومو" و"الأوغادين" من جهة، وهما من الأعراق الأكثر فقراً في أثيوبيا، وفي الجهة المقابلة من معادلة الصراع عرقا "التيجراي" و"الأمهرة "، الممسكين بزمام السلطة، ما قد يشعل النار تحت مرجل التناقضات العرقية والقبلية في البلاد.
الاتجاه الثاني: تلمس مخاطر احتمال انفجار صراعات عرقية وقبلية دفع العديد من أبناء المجموعات العرقية الأثيوبية المختلفة للتحاور حول كيفية العمل معاً من أجل حل المشاكل القائمة، التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات، والتغلب على نتائج المعالجات الحكومية الخاطئة التي تثير الانقسام وتعمق التوتر العرقي، من وجهة نظرهم، وتشيع أجواء عدم ثقة. غير أن هذا الاتجاه مازال تأثيره محدوداً.
وتمثِّل مسألة العلاقة بين الأعراق في أثيوبيا مشكلة مزمنة منذ زمن الاستعمار، تفاقمت جراء تقسيم الولايات على أساس عرقي، في النظام الفيدرالي الأثيوبي القائم، والذي عاملاً من عوامل زيادة الانقسام، وعدم التفاعل البناء كما يجب، بين الأعراق المكونة للمجتمع، فأصبح أبناء كل عرق أسرى الحدود الجغرافية الفيدرالية العرقية للأقاليم، وكامتداد لهذه الحالة غالبية الأحزاب السياسية الأثيوبية تقوم على أساس عرقي، ويضفى عليها طابعاً مؤسسياً، ينحصر في حدود الجغرافية العرق لكل عرق من الأعراق، ولا تتعاطى برامج الأحزاب بقضايا خارج تلك الحدود، وعلاقتها مع النظام الفيدرالي علاقة عمودية، الأمر الذي يشكل عائقاً أمام قيام أحزاب عابرة للأعراق والقبائل وقادرة على بناء شبكة علاقات أوسع.
في نظرة فاحصة للأسباب المباشرة لاندلاع الاحتجاجات الأخيرة، وقبلها احتجاجات العام الماضي، يرى أبناء عرق الأورومو أن الخطة التي تبنتها الحكومة الإثيوبية لتغيير حدود مدينة أديس أبابا، بتوسيعها على حساب أراض مملوكة لمزارعين في إقليم أوروميا، وتهديد معيشة سكان المنطقة بشكل كبير، وفقدان الإقليم 36 مدينة وبلدة، كمقدمة لفرض تغيير التركيبة الديمغرافية- العرقية فيه. علماً بأن الخطة تقضي بتوسيع حدود أديس أبابا لتصبح عشرين ضعفاً بالقياس إلى مساحتها الحالية.
وحملت الاحتجاجات في إقليم أوروميا تحولاً مهماً معها، بإعراب قوى سياسية وأحزاب ومنظمات مجتمع مدني في أقاليم أثيوبية أخرى تضامنها مع المحتجين، وأدانت منظمات حقوقية أثيوبية ممارسة تهميش منهجي ومنظم ضد عرق الأورومو على مدار العقود الثلاثة الماضية، من شأنه إذا استمر أن يدفع مجدداً بدعوات انفصال الإقليم عن أثيوبيا الفدرالية، وربما يشجع أقاليم أخرى من الأقاليم التسع، التي تتكون منها أثيوبيا، على إن تحذو حذوه.
إن إخماد النار، التي بدأت تشتعل تحت المرجل العرقي في أثيوبيا، يقتضي الحكمة واستخدام وسائل سلمية في معالجة الأسباب المباشرة للاحتجاجات. وفي إطار الحلول الإستراتيجية إعادة النظر بتقسيم الأقاليم الفيدرالية على أساس عرقي، وإنهاء الاستحواذ على السلطة من من عرقين دون غيرهما، وفتح آفاق وطنية أمام الأحزاب بإخراجها من التخندق في حدود الأقاليم العرقية، ووضع خطط شاملة ومتوازنة لكل مناطق ومواطني أثيوبيا، لاسيما المناطق الريفية التي تعاني من إهمال وتهميش كبير، والحفاظ على التنوع الحضاري والثقافي، ودون ذلك لن تكون البلاد في مأمن من التشظي، والدخول في متاهة عنف أهلي، التوتر العرقي برميل باروده.