أرقام مروعة أعلنت عنها "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسيف)، نصف مليون طفل في الدول المطلة على بحيرة تشاد مهددون بالموت، جراء النقص الحاد في التغذية والجفاف، والعمليات الإجرامية التي تقوم بها جماعة (بوكو حرام)، في شمال شرقي نيجيريا ودول الجوار، 49 ألفاً منهم مهددون بالموت هذا العام، ويعاني عشرات الآلاف أيضاً من صدمات نفسية. وأكدت (اليونيسيف) على لسان مانويل فاونتين، المدير الإقليمي لليونيسيف في غرب ووسط إفريقيا، في تعقيب له يوم الثلاثاء الماضي 23/8/2016، أن الجوع، أو الأمراض المتعلقة بنقص الغذاء، قد تفتك بنحو 134 طفلاً يومياً، إذا لم تستجب الجهات المعنية بشكل سريع لإيجاد حل لهذه الأزمة.
وأضافت المنظمة الدولية في تقرير صادر عنها أن "2.2 مليون شخص ما زالوا محاصرين في مناطق خاضعة لسيطرة الجماعة أو يقيمون في مخيمات خوفاً من العودة إلى ديارهم"، وفي تقييمها للكارثة التي خلفها إرهابيو (بوكو حرام) وراءهم ولاية (بورنو) النيجيرية التي كانوا يسيطرون عليها، قالت (اليونيسيف): "إن البلدات والقرى مدمرة ويفتقر السكان إلى الخدمات الأساسية، وفي ولاية بورنو تعرّض حوالي ثلثي المستشفيات والوحدات الصحية لدمار جزئي أو كامل، ومعظم المنشآت الخاصة بالمياه والصرف الصحي تحتاج إلى أعادة ترميم..".
وكانت جماعة (بوكو حرام) سباقة في استخدام الأطفال لتنفيذ عمليات انتحارية، إذ وثّقت منظمة (اليونيسيف) 38 عملية انتحارية للجماعة نفذها أطفال هذا العام في مقابل 44 حالة في 2015 بأكمله، ووفقاً للإحصاءات الرسمية قتلت الجماعة أكثر من 15 ألف شخص منذ بداية تمردها المسلح عام 2009، ووسعت خلال السنوات الخمس الأخيرة من مناطق عملياتها لتشمل دول جوار نيجيريا، تشاد والنيجر والكاميرون. وتتخذ (بوكو حرام) من خطف الأطفال مصدراً لتمويل أنشطتها الإجرامية، على سبيل المثال، كشف تقرير سري لحكومة نيجيريا حصلت عليه وكالة "رويترز"، أن مفاوضين من فرنسا والكاميرون دفعوا لـ(بوكو حرام) ما يعادل 3.15 مليون دولار لإطلاق سراح فرنسي وزوجته وأولاده الأربعة وشقيقه.
تشكّل جماعة (بوكو حرام) تهديداً للأمن والاستقرار في نيجيريا ودول الجوار ولكل بلدان غرب أفريقيا، ومصدر قلق للمجتمع الدولي، بتشجيع ظهور اتجاهات متشددة تخلل الأوضاع الهشة في مجتمعات الدور المشار إليها، بسبب خريطتها الاثنية والدينية والطائفية والقبلية المعقدة. واشتهرت (بوكو حرام) بجريمة اختطاف 276 طالبة مدرسة عام 2014، ومعاملتهن كسبايا وبيعهن وتزويجهن بالقوة، كما اشتهرت بهجمات دموية على ثلاث قرى نيجيرية، كانون الأول (ديسمبر) 2015، بالفؤوس والسواطير، راح ضحيتها العشرات.
وبإعلان مبايعتها لتنظيم "داعش"، في آذار/ مارس 2015، وسعت (بوكو حرام) من دائرة عملياتها الإجرامية، كأداة قتل عمياء لتمزيق مجتمعات دول غرب أفريقيا، وتهديم بنية دولها، عبر محاولتها السيطرة على نيجيريا وتحويلها إلى منصة انطلاق لفرض معتقداتها المتطرفة ونشرها في الدول الأفريقية الأخرى.
وإذا لم يتم وضع حد لأنشطة جماعة (بوكو حرام) ستتحول إلى بؤرة سرطانية قد تخرج عن نطاق السيطرة، ودول أفريقيا والعالم ستكون أمام سيناريوهات مريعة في حال لم يتعاون الجميع في محاربة التهديد المتزايد لأنشطتها الإجرامية، ووضع استراتيجيات مشتركة، مصحوبة بخطوات عملية فاعلة، لوقف الموت الزاحف في دول غرب أفريقيا، ومكافحة كل أشكال الإرهاب والتطرف.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)