تشهد سورية هذه الأيام تحركات سياسية وميدانية داخلية واسعة النطاق تبدأ بالمعارك الدائرة بين الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة وبين المجموعات الإرهابية المسلحة من جهة أخرى، تبدأ من حلب إلى كافة الجبهات على امتداد الجغرافيا السورية، تتخللها محاولات خلط للأوراق في الميدان، كما يحدث من الطرف التركي على الحدود السورية وتدخله في جرابلس وماحولها بالتعاون مع ما يسمى بالمعارضة السورية المسلحة وبدعم وغطاء من الولايات المتحدة. لنصل إلى المصالحات الوطنية التي كان آخرها عملية داريا التي تعتبر عملية تحرير أكثر من أن تكون مصالحة مع الدولة الأم، وهذا الخلط في الميدان يقابله حراك سياسي واسع تقوده روسيا والولايات المتحدة، حيث كان وزير الخارجية سيرغي لافروف قد أعلن بعد لقاءات مطولة مع كيري عن أن الطرفين قد أصبحا على بعد خطوة من بلورة نص اتفاق بخصوص سورية.
لكن المهم أيضاً هنا التحرك السوري السوري وخاصة تحرك المعارضة السورية الداخلية التي يتضح أنها وصلت إلى تفاهم ما مع الحكومة السورية للسير في طريق الحل السياسي خلال المرحلة القادمة حيث أن الدولة السورية سمحت للقوى المعارضة الداخلية مؤخراً افتتاح مكتب لها في دمشق، وكذلك الأمر موسكو مستمرة على تنسيقها مع معارضة الداخل السوري حيث تصل ميس الكريدي، المتحدثة باسم وفد معارضة الداخل إلى جنيف، إلى موسكو لإجراء محادثات مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وحول هذ الزيارة وأهدافها ومكامن اللقاء المرتقب مع بوغدانوف كان لنا حوار خاص مع السيدة كريدة قبل مغادرتها دمشق باتجاه موسكو.
خلال هذا الحوار تحدثت ميس الكريدي عن هذه الزيارة وأهدافها وأجندتها ومحاور اللقاء التي ستطرح على طاولة المحادثات مع بوغدانوف:
أولاً، من البديهي جدا أننا دائما نعزز تواجدنا كمعارضة داخلية لأنه يجري التآمر الدائم على المعارضة الداخلية من عدد من الأطراف التي تدعم وفود أخرى، دولة روسيا الاتحادية دولة صديقة ونحن نثق بالدبلوماسية الروسية وبالتالي نلجأ إلى محادثات بناءة حول تعزيز موقع المعارضة الداخلية لأنها تمتلك الخيار أقرب الى الصدقية والخيار الأقرب إلى الموضوعية كونها جزء من الأحداث، ومايحصل في سورية ويقع عليها مفاعيل الدمار وبالتالي تكون أسرع وأقرب وأكثر تجاوباً مع الحل السياسي، أولاً تعزيز وجود المعارضة الداخلية، ثانيا المطالبة بوجودها، ثم المطالبة بطاولة الحوار السياسي، وبضرورة أن تتجه كل الأنظار الدولية الى دعم الحوار السوري السوري، الذي طالما هو موجود في جنيف دعمنا وتواجدنا ولو أننا نؤمن بأن الحل ينطلق من دمشق الى من دمشق، ولكن بالنهاية بوجود أطراف وطنية يمكن الوصول إلى حل سوري سوري، ونحن في الموضوع السيادي لا نهادن ونرفض كل أشكال التدخل الخارجي كمعارضة وطنية.
وحول حقائق مجريات الأحداث الحالية التي يشوبها التدخل الخارجي في ظل نقص كبير في التوضيح الإعلامي بسبب التشويش من الأطراف ذات المصالح المضادة وخاصة حول داريا قالت ميس الكريدي:
طوال الوقت ونحن نعاني من التضليل الإعلامي هذا ليس بجديد وعندما نتحدث بواقع الحدث ومايحصل في سورية بمنتهى الموضوعية، تخرج عليك أبواق أجندات تريد تدمير سورية ليقولوا هذا عمل النظام وهذا وهذا خائن وهذا وهذا…ويطلقوا التهم لانهم يريدون تغييب الحقيقة، لا أحد يريد الاعتراف بموضوعية الحقيقة، سبق وتحدثنا في موضوع داريا في جنيف المرة الماضية، ولو كان المجتمع الدولي يتركه للدولة السورية وللمعارضة الوطنية والقوى الوطنية، التي تريد رأب الصدع الداخلي من أجل الانتقال الى التسويات الداخلية، كنا انتهينا من الأزمة، إن الأزمة ومايحث فيها من تداعيات وتحريض هو تحريض خارجي، جزء منه إعلامي والجزء الآخر عسكري وهو بدعم الإرهاب الداخل الى سورية وبدعم كل هذه القوى، موقفنا الثابت والوضح من التدخل الخارجي معروف، نحن لايمكن أن نسوق لأي تدخل، واي تدخل في سورية مدان مهما كانت الشعارات التي سوف ينضوي تحتها، لايمكن أن تسوق لنا السموم لأن هذا انتهاك حقيقي للسيادة وهو مرفوض بشكل قطعي، الآن هناك معركة جدية تدور ولابد أن تفرز مفاعيل الحدث وتفرض المصالح الدولية، أعتقد أن صوتنا وكلامنا ووجودنا مطلوب منا، واذا لم يكن مؤثر بشكل كبير كونه للأسف لا أحد يكترث للحدث والواقع الإنساني في سورية، لكن بالنهاية التكاتف الموجود والحقيقي ما بين الجيش كحامل وطني حقيقي وكمؤسسة من مؤسسات الدولة التي من المفترض على اي جهة معارضة وطنية والتي من المفترض أن تدعمها وتحتمي بها بإلتحامه مع الشعب أعتقد انه أفرز معادلات جديدة.
وحول لقاء لافروف وكيري وتصريح لافروف بخصوص القرب من بلورة إتفاق بشأن سورية بين الطرفين قالت الكريدي:
الآن طالما أنا في طريقي الى موسكو للقاء مسؤول الملف السوري السيد ميخائيل بوغدانوف الممثل الرسمي للرئيس الروسي الى الشرق الأوسط، وبما أن روسيا دولة مؤسسات، سوف استفسر واستعلم، وأضع الخارجية الروسية في صورة التطورات لدى المعارضة الداخلية، ونضع خارطة الخطوط الحمر التي وضعتها المعارضة الداخلية في هذه الأطر، وبالتالي سوف نستعلم ونستطلع، والمعارضة الداخلية تثق بالأصدقاء الحقيين للشعب السوري وهم مجموعة الدول التي دعمت خيارات الشعب السوري وعلى رأسها دولة روسيا الاتحادية، حتى هذه اللحظة، ليس لدينا سوى قراءاتنا السياسية واستنتاجاتنا ريثما يتم اللقاء مع السيد بوغدانوف.
وحول برنامج المعارضة الداخلية في ظل هذه التطورات الحالية والتدخلات الإقليمية والدولية السياسية والعسكرية في الحرب على سورية ومدى التنسيق مع الحكومة السورية تقول الكريدي:
أحد العيوب الأساسية أن الدولة السورية لاتنسق معنا، ونحنا معارضة داخلية ولدينا مواقف واختلافات سياسية مع السلطة السياسية في سورية ومع طبيعة النظام السياسي في سورية، ولكن ليست لدينا اختلافات وطنية مع الدولة السورية، وأنا أميز بدقة بين المصطلحين، لدينا إشكاليات سياسية ومعارضة سياسية وقضايا، ولكن لدينا قضايا وطنية عميقة ومن عيوب الدولة السورية أنها لاتنسق معنا بشأنها، ولكن هناك أمر جيد حصل مؤخراً سأضع السيد بوغدانوف بصورة هذا الموضوع. هناك موافقة لافتتاح مكتب للمعارضة الداخلية بشكل علني في منطقة التجارة بدمشق، وهذا يعتبر تطور كبير في ذهنية العلاقة المباشرة مع الدولة السورية، وأيضا تطور كبير في ذهنية التعاطي السياسي مع حالة المعارضة في داخل سورية، وخصوصاً أنه في الفترة الأخيرة أصبح هناك أيضا إمكانية تحرك إعلامي معقول داخل سورية على أرضية التوافقات الوطنية، نحن والدولة السورية علينا أن نتحدث بالتوافقات الوطنية التي لا نحيد عنها.
ونحن نغير في الاستراتيجيات وفي الخطط، ولكن لانغير في الأهداف ولانغير الثوابت والمنطلقات، وبالنسبة لنا المبادىء العشرة لتي وضعناها كثوابت وطنية لإعداد أي دستور لا نحيد عنا، قضايا رئيسية نعتبرها منطلق وأساس وملتزمين بها. لدينا مجموعة من الثوابت الوطنية لايجب على المعارضة أن تبيعها، بالنهاية ماهي المعارضة؟ بالحقيقة المعارضة يجب أن تكون درعاً وطنيا داخليا اذا اضطرت السلطات لأن تدخل الى معتركات سياسية مع أطراف دولية وأن تضطر أن تقدم بعض التنازلات، فيجب أن تكون هناك أطراف وطنية تعتبر خط الدفاع الثاني بشكل رئيسي ضد هذه المسائل، وبالتالي لانقبل أن تفرض علينا أجندات وإملاءات، وهذا حق مشروع أن تتعاون مع الدولة في الدفاع عن ثوابتك الوطنية، لانك تختلف على عناصر في الأداء الحكومي، على عناصر سياسية على الحريات على الحقوق، تريد استقلال القضاء أو فصل السلطات، وهناك المطالبات المتعددة لانتقال سياسي ديمقراطي سلمي هادىء تدريجي، ولكن أبدا لايمكن أن يكون هناك خلاف بيننا وبين الدولة السورية لا على مفهوم الجيش ولا على مفهوم السيادة، ولا على مفهوم رفض أن يحدد لنا الآخر خياراتنا، ولا على مفهوم أن الشعب السوري هو من يقرر ماذا يريد، وعلى هذا الأساس نبدل في الاستراتيجيات، أما عن خارطة الطريق من البداية وحتى النهاية كنا نقول لديمستورا ولكل من نلتقيه، إننا نعتقد أن الحل في سورية هو حكومة وحدة وطنية وشراكة سياسية تدخل فيها كافة القوى الوطنية التي يمكن أن تكون قوى رديفة في استنهاض الحالة الوطنية لأننا أمام معركة طويلة وتبدو طويلة مع الإرهاب.
أجرى الحوار: نواف إبراهيم