تدور المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية في حلقة مفرغة منذ انتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999، وفقاً للجدولة الزمنية التي حددتها اتفاقيات أوسلو، ووصلت المفاوضات عملياً إلى طريق مسدود في مؤتمر "كامب ديفيد 2" في تموز/ يوليو عام 2000، بفعل سياسات واشنطن القائمة على إدارة الأزمة والمراوحة في المكان، والانحياز إلى جانب الرؤية الإسرائيلية للتسوية، القائمة على شطب حقوق الشعب الفلسطيني وفرض حدود توسعية جديدة من خلال الاستيطان، حيث عملت وإدارات كلينتون وبوش الابن وأوباما على إعادة تسويق ما تطرحه تل أبيب، بدل العمل على تقديم اقتراحات متوازنة والبحث عن مخارج قادرة على انتشال العملية التفاوضية.
الوجه الآخر للسلوك الأميركي المدمر للعملية التفاوضية الاستفراد بها، وتعطيل دور "الرباعية الدولية"، ورفض أي حضور للأمم المتحدة، ومنع إصدار أي قرارات عن مجلس الأمن الدولي تدين الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، ورغم إعلان إدارة أوباما إفلاس جهودها إزاء ملف الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، في نيسان (أبريل) 2014، بقيت واشنطن تعمل على إفشال أي اقتراحات تصب في خانة بذل جهد جماعي من المجتمع الدولي لتصويب مسار المفاوضات على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي.
بناء على ما سبق، تبرز أهمية الدعوة الروسية لاستضافة اجتماع بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كخطوة أولية يمكن البناء عليها لإعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، على أسس تضمن أن تكون العملية التفاوضية منتجة، وهذا يتعلق في المقام الأول بأن تتعهد حكومة نتنياهو بتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها للوصول إلى تسوية شاملة ومتوازنة.
السلطة الفلسطينية رحبت بالمبادرة الروسية على لسان رئيسها خلال لقائه مع نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، في العاصمة الأردنية عمان الشهر الماضي، ولم يضع الرئيس الفلسطيني أي شروط مسبقة، وحسب مصادر مقربة من الرئاسة الفلسطينية طرح الرئيس الفلسطيني نقطتين اثنتين كضرورة لإنجاح الاجتماع "إطلاق الدفعة الأخيرة من الأسرى الفلسطينيين التي تم الاتفاق عليها سابقاً، ووقف البناء في المستوطنات"، وإذا ما لبت حكومة نتنياهو هذين المطلبين، أو بالأحرى الالتزامين، يمكن عندها القول إن لقاء موسكو سيشكل فرصة لبداية يمكن التأسيس عليها لاحقاً، من أجل إعادة بناء العملية التفاوضية.
إذاً الكرة في ملعب نتنياهو، وهو من يتحمل مسؤولية توفير مقومات نجاح الاجتماع الذي ستستضيفه موسكو، نهاية الشهر الجاري أو في النصف الأول من شهر تشرين الثاني (أكتوبر) المقبل، ويخطئ نتنياهو إذا ما اعتقد أن بإمكانه استدراج الفلسطينيين إلى متاهة جديدة من مفاوضات عبثية دون مرجعية واضحة وسقف زمني محدد للمفاوضات، وقبل هذا وذاك وقف الاستيطان.
ولا شك في أن الموقف الروسي الثابت إزاء دعم حق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الثابتة والمشروعة، وتأييد موسكو لتسوية شاملة ومتوازنة للصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، على أساس القرارات الدولية ذات الصلة، يمثل عامل اطمئنان للفلسطينيين، وحافزاً لهم للتعاطي بإيجابية مع المبادرة الروسية، إلى جانب ثقتهم بما تتمتع به روسيا من ثقل دولي كدولة كبرى، ودور فعال في منطقة الشرق الأوسط، وهي قادرة على القيام بدور وساطة مثمر وبناء، في حين فشلت واشنطن في إثبات أدنى درجات المصداقية، خلال سنوات طويلة من استفرادها بالعملية التفاوضية على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي، لأنها كانت ومازالت منحازة إلى جانب إسرائيل، وأرادت أن تفرض تسوية على مقاس المطامع التوسعية الإسرائيلية.