في ظل الظروف والمتغيرات والاستدارات الحالية في المواقف الإقليمية والدولية تجاه القضية السورية، نرى أن مرحلة الانفراج بما يخص القضية السورية باتت قاب قوسين أو أدنى، بغض النظر عن التطورات الميدانية الحاصلة نتيجة التدخل التركي في الأراضي السورية وعمليات التوسع التي تقوم بها تركيا ضمن الأراضي السورية، فهذه كلها سيناريوهات سوف تنتهي مع بداية الإعلان عن توافق دولي كان الرئيس بوتين قد تحدث عنه مؤخراً، ولكن لا يعني هذا صحة السيناريوهات التي تتناولها بعض وسائل الإعلام العربي والأجنبي حول هذا الموضوع. المرحلة معقدة وتحتاج إلى كثير من الاستدارات والتفاهمات الإقليمية والدولية، ورغم كل ذلك الميدان سيحكم بالفعل وستكون له كلمته في مرحلة دقيقة من مراحل تطور الأزمة السورية.
يقول الخبير العسكري الاستراتيجي العميد علي مقصود بهذا الخصوص:
أولاً عندما تتحدث حول أن أردوغان قد خرج عن الطاعة الأمريكية واستباح الأرض السورية للسيطرة على مناطق عدة منها، أنا أقول إن هذا التحرك التركي جاء بوحي من الإدارة الأمريكية، ومن السيد الأمريكي الذي استخدم هذا السيناريو لكي يتنفس الطرفان، فعندما استخدم الأمريكي الورقة الكردية، استخدمها لأن تركيا لديها هواجس من أن دعم هذا المكون والتلويح بإقامة كيان كردي، فهذا بالعرف التركي هو تهديد وجودي للدولة التركية والأمن القومي التركي، لذلك عندما بدأت بالفعل القوات بتجاوز نهر الفرات غرباً، اقتنعت تركيا بأن الولايات المتحدة جادة باستخدام الورقة الكردية، لتركيع تركيا من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تركيع سورية أيضاً، لأنه بالنسبة لسورية هو خيار تقسيم تفتيتي، وبالنسبة إلى تركيا فهو خيار وجودي، أي تهديد وجودي للأمن القومي التركي، وقد تنفجر الصراعات إلى صرعات وحرائق وحروب دموية قد لا تنتهي، أي أن المعادلة كانت تحمل حريقاً لا ينتهي، ولا يقتصر على سورية وتركيا، بل ربما يمتد ليشمل الإقليم لعقود طويلة.
وأما عن التحرك والتوغل والتوسع التركي في الأراضي السورية يقول العميد مقصود:
لذلك تحركت تركيا أيضاً انطلاقاً من الاتفاقات التي حصلت بين تركيا وروسيا وإيران في الحرب على الدواعش، ولكن بنفس الوقت كانت تريد أن تواجه خطر تمدد قوات سورية الديمقراطية، وعلى رأسها القوة الرئيسية والعمود الفقري في هذا المكون وهي قوات الحماية الكردية، لذلك بدأت تركيا باستخدام المعارضة المسلحة والتي تسميها بالمعارضة المعتدلة، والتي ترتبط بتركيا أصلاً، وخاصة الجيش الحر إن كان عبر الجبهة الشامية، أو حركة نور الدين الزنكي، والسلطان مراد وغيرهم. وتركيا قدمت لهم دعماً لقطع الطريق على قوات سورية الديمقراطية لمنعها من الوصول إلى جرابلس، وبالتالي قطع الحبل السري على هذا المولود، وكانت الولايات لمتحدة وحلفائها الغربيين من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وعدوهم بهذا الكيان من خلال دغدغة أحلامهم لإقامة كيان كردي.
ويتابع قائلاً: تركيا اخترقت الأراضي السورية بشكل مخالف لجميع القوانين والشرائع الدولية، وهذا تدخل واعتداء سافر على الأرض والسيادة السورية، ولكن تركيا استغلت فرصة أنها تشارك في الحملة على الإرهاب، ولذلك توقعت أن يكون هذا غطاء ولن يسألها أحد عن ذلك التوجه والاستدارات في سياساتها، ولكن من جهة أخرى استدارت تركيا بسياساتها وعملت على تطبيع علاقاتها مع روسيا، وتحاول مع دول عدة أخرى كدمشق والقاهرة، ولكن الطريق الذي تسلكه تركيا في هذا الاتجاه طويل ويحتاج إلى فصل الروابط مع هذ الفصائل لكي تصل إلى التخوم التي تنخرط فيها مع الجيش السوري وحلفاء سورية في مكافحة الإرهاب.
أما عن التفاهمات التي يجري الحديث عنها على المستوى الدولي بخصوص سوريا وتحديداً بين روسيا والولايات النتحدة ومدى جديتها يقول العميد مقصود:
هذه الفترة مرتبطة بالتفاهمات الكبرى لتصنيع المخارج لتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، لكي لا يخرج الأكراد عن هذا التحالف عندما يشعرون بطعنة الولايات المتحدة لهم كما طعنت كل حلفائها، لقد خدعوا ولم يتعظوا من أن الولايات المتحدة حليف غير صادق وغير وفي.
ومن هنا نرى التعقيد في المشهد السوري، والتدخل من قبل عدة دول جعل إيجاد مخارج وقواسم مشتركة على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد، ولكن كل هذه الإجراءات والتدابير هي للوصول إلى هذه النقطة وإلى المسار الذي يقف عليه القطار وهو محمل بكل التوافقات الإقليمية والدولية لحل المسألة السورية.
إعداد وتقديم نواف إبراهيم