سبوتنيك: لنتكلم في البداية عن الوضع التعليمي في سوريا بعد خمس سنوات من الحرب؟
الوزير: كان القطاع التربوي أكثر القطاعات تضرراً بالأزمة سواء كان ذلك بطريقة مباشرة عبر الاستهداف الممنهج للأطر البشرية والبنى التحتية بقذائف الحقد والتفجير، أو بطريقة غير مباشرة لناحية فوات فرص التعلم على عدد كبير من الأطفال، ويتمثل الوضع التعليمي في سورية بعد خمس سنوات من الحرب في ارتفاع نسب الانقطاع من المدرسة لفترات تتراوح بين شهر واحد وسنة دراسية كاملة، اضافة إلى الآثار النفسية والجسدية في الأطفال والتلاميذ، ومنعكسات واقع الحرب والتهجير، وواقع اجتماعي واقتصادي صعب لدى أهالي التلاميذ نتيجة طول فترة الأزمة وما رافقها من آثار في حياتهم، ونتج عنه انخفاض مستويات التحصيل الدراسي لدى بعض التلاميذ وارتفاع نسب الرسوب خاصة في الصفوف الانتقالية، ناهيك عن وجود عدد كبير من المدارس التي تحتاج إلى مبالغ طائلة لإعادة التأهيل والترميم.
سبوتنيك: ما البدائل التي اتخذت لإنقاذ التعليم من الدمار؟
الوزير: حرصت وزارة التربية في ظل الأزمة على أولوية استمرار العملية التربوية، لذلك ركّزت خططها على اعتماد إجراءات عدة هدفت في مجال التلاميذ والطلاب إلى:
- استمرار قيام المدارس بدورها في تقديم التعليم للتلاميذ والطلاب في المناطق المستقرة وحيثما أمكن ذلك.
- تعويض الفاقد التعليمي للتلاميذ والطلاب المهجرين المتسربين والمنقطعين، ومن أهم هذه الإجراءات:
توجيه مديريات التربية وإدارات المدارس إلى:
.إتباع المرونة في قبول وتسجيل التلاميذ والطلاب الذين لا يحملون وثائق مصدقة أصولاً.
.إجراء اختبارات سبر للتلاميذ والطلاب الذين لا يحملون وثائق تبين صف كل منهم الدراسي.
.عدم التشدد في اللباس المدرسي والإكثار من طلب القرطاسية.
.إعادة الطلاب الذين تم ترقين قيدهم بسبب الغياب إلى مدارسهم إن لم يكن الفصل لسبب آخر.
إجراء دورات إكمال للتلاميذ والطلاب الراسبين في صفوفهم، وتنفيذ امتحانات في نهايتها لتحديد مدى استحقاقهم النجاح أو الرسوب، إجراء دورات مكثفة خلال فترة الصيف للتلاميذ والطلاب الذين لم يتمكنوا
من الالتحاق بالمدرسة خلال العام الدراسي المنصرم، وتنفيذ امتحانات في نهايتها لتحديد مدى استحقاقهم في النجاح أو الرسوب.
متابعة تلاميذ الفئة/ب/ المتسربين، عبر إعداد مناهج الفئة /ب/ والتدريب عليها وافتتاح شعب خاصة لاستيعاب هذه الفئة من المتعلمين.
تأمين سبل ووسائل التعلم الذاتي للتلاميذ والطلاب في المناطق الساخنة.
تأمين الكتاب المدرسي والحرص على وصوله إلى التلاميذ والطلاب أينما كان ذلك ممكناً.
التعاون مع المنظمات الدولية المعنية ومع منظمات المجتمع المحلي للتخفيف من آثار الأزمة (إطلاق حملة حقي أتعلم)، وتشجيع الأطفال للعودة إلى المدارس مع بداية العام الدراسي، وتوزيع (مليون) حقيبة مدرسية تحتوي القرطاسية اللازمة لكل طفل، وشملت هذه الحملة جميع المحافظات.
العمل على تفعيل دور المرشدين الاجتماعيين والنفسيين في تقديم الإرشاد والتوجيه والدعم النفسي للتلاميذ والطلاب للتخفيف من آثار الأزمة.
سبوتنيك: ما هي الإحصائيات الدقيقة للمدارس المدمرة والطلاب المتسربين من المدارس/و/ الطلاب الذين حرموا من الدراسة نتيجة تواجدهم في ناطق غير آمنة؟
الوزير: نقص عدد المدارس المستثمرة في العملية التربوية نتيجة تعرض بعضها للدمار والخراب وخروجها عن خدمة العملية التعليمية والتي تنوعت أضرارها ما بين (ضرر كلي- ضرر جزئي- صعبة الوصول).
فقد انخفض عدد المدارس من (22664 مدرسة في عام 2012) إلى (15301 مدرسة فيعام 2016) أي أن هناك (7363 مدرسة متضررة نتيجة الأعمال الإرهابية منها
331مدمرة بشكل كلي و 1039 مدرسة متضررة بشكل جزئي و 8863 مدرسة لا يمكن
الوصول إليها وانخفاض عدد الطلاب، فقد انخفض عددهم من (5634437 عام 2012) إلى
(4134047 عام 2016) بنسبة تسرب 27 %.
اضافة لانخفاض عدد المعلمين من (374040 معلم عام 2012) إلى (311914 معلم عام 2016).
سبوتنيك: خلال الحرب كيف يمكن العمل على تطوير المناهج ؟
الوزير: تعمل وزارة التربية من خلال المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية بما يتلاءم مع التطور العالمي للنظم التربوية في القرن الواحد والعشرين، والاهتمام بالتطور المهاري للمتعلم لتصبّ مخرجات
العملية التعليمية في مجالات حلّ المشكلات، واتخاذ القرارات المبنية على المنهجية العلمية، والتحليل المنطقي للواقع الراهن عبر فهم التاريخ واستشراف استراتيجيات المستقبل ليحدد المتعلّم هويته الوطنيّة وينطلق من خلالها لمفهوم المواطنة، ويصبح قادراً على تجسيد مهارات التنمية المستدامة والدخول بثقة وكفاءة إلى سوق العمل.
ويتضمن هذا التطوير وضع الطالب في محور العملية التعليمية عبر توجهات تربوية أربعة تبدأ أولاً بالتمكين وثانياً بالاستفسار والتحقيق وثالثاً باستعمال الأدوات الرقمية ورابعاً من خلال التعلّم عبر التعليم مع إبرازدور الأهل في المساهمة في تطوير العملية التربوية عبر تشجيع المتعلم للتعلّم المبني على حلّ المشكلات، والتعلم المبني على المشاريع.
سبوتنيك: تعرض الكثير من المدرسين للتهديد والقتل من قبل العصابات الإرهابية المسلحة مالذي فعلته الوزارة لهم؟
الوزير: حرصت الوزارة على حل جميع ما يواجهه المدرس من مشاكلات أفرزتها ظروف الأزمة ومن أهم ما قامت به الوزارة في هذا الصدد:
أ- تحديد مركز عمل من ألجأتهم الظروف من المدرسين والمعلمين إلى مغادرة المناطق والمحافظات المعينين فيها في المحافظات التي رغبوا فيها.
ب- حلّ الكثير من الصعوبات لجهة نقل الأجور والرواتب للمحدد مركز عملهم أو تأمين وصولها لمستحقيها.
ت- التسريع في إنجاز طلبات المعلمين والمدرسين والتخفيف من الإجراءات الروتينية.
سبوتنيك: بالنسبة للطلاب المتواجدون في المناطق الساخنة… ماذا تقدمون لهم؟
الوزير: الهاجس لدى وزارة التربية إعادة جميع الأطفال على مساحة الوطن إلى مقاعد الدراسة وتأمين فرص التعلم للجميع دون استثناء، وفي إزاء ذلك طرحت الوزارة مشروع " فرص التعلم البديلة والتي يمكن أن يكون مردودها إيجابيّاً للحدّ من تداعيات هذه الأزمة ومعالجة ما ينتج عنها، فالطفل الذي ينال حقه في التعليم يكون قادراً على الانخراط بشكل فاعل ومثمر في المجتمع ويؤدي دوره في بناء وطنه وتنميته.
ومن هذه الفرص:
أوراق التعلم الذاتي: هي أوراق عمل جرى تصميمها بحيث تمّ تحويل مفردات المناهج النظامية إلى أنشطة تعلم ذاتي يقوم بها المتعلم "بدون وجود معلم أو كتاب مدرسي" حيث تقوده هذه الأوراق المتعلم خطوة بخطوة للوصول إلى تحقيق أهداف التعلم واكتساب المهارات المطلوبة.
وقد قامت وزارة التربية بالتعاون مع منظمة اليونسيف والأونروا بتطويرهذه الأوراق لمواد (اللغة العربية — العلوم — الرياضيات — اللغة الإنكليزية) للصفوف من (1-9) وذلك، وتساعد هذه الأوراق المتعلمين غير القادرين على الوصول إلى المدارس أو الطلبة الموجودون في مراكز الإيواء على متابعة دراستهم ولو لم يتمكنوا من الوصول إلى المدرسة من خلال هذه الأوراق، ويمكن للمعلم الموجود في المدرسة النظامية أن يستخدم هذه الأوراق كونها مبنية على المنهاج النظامي وذلك للارتقاء بمستوى العملية التعلمية وتفعيل دور المتعلمين.
وسيكون المتعلم في حال استخدم هذه الأوراق قادراً على اجتياز سبر المعلومات الذي تجريه مديريات التربية في المحافظات بقصد تحديد مستوى التلاميذ عند عودتهم للمدراس.
كما تم إعداد دليل استرشادي لتطبيق مواد التعلم الذاتي يتضمن كل ما يحتاجه المتعلم أو الشخص الراشد الذي سيقوم بمساعدته على استخدام هذه الأوراق، وجرى تجريب هذه الأوراق في العام الماضي في كل من محافظتي حماة وحلب، وقد طبعت هذه الأوراق من قبل منظمة اليونسيف ويجري حالياً العمل على توزيعها بالتعاون مع الهلال الأحمر العربي السوري والجمعيات الأهلية، المحلية المرخصة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والمعتمدة من قبل وزارة الخارجية.
المنهاج المكثف / الفئة ب/ الخاص بالطلبة المتسربين من التعليم الأساسي
وطلاب الفئة(ب) هم:
. الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (8 إلى 15) سنة ولم يسبق لهم الالتحاق في المدرسة(لا زالوا أميين)
.أو الأطفال الذين يعادون إلى المدارس بعد التسرب بمن فيهم الأطفال الذين خضعوا لبرامج تأهيلية في المراكز التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية المحالون إلى مديريات التربية.
حيث يقبل هؤلاء الأطفال في شعب خاصة ملحقة بمدارس التعليم الأساسي وفق سويتهم التعليمية ويطبق عليهم منهاج وخطة درسية يوضع من قبل وزارة التربية حيث يجتازون الصفوف من (1 إلى 8) وفق أربعة مستويات وفق الخطة والمنهاج الموضوعين بأربع سنوات.
وقد تم التعميم على مديريات التربية في المحافظات لافتتاح شعب خاصة بالطلاب للمستويات الأربعة بحيث يراعي التوزع الجغرافي لهذه المدارس قربها من مراكز الإيواء والمناطق التي يتوقع وجود نسبة كبيرة من الطلاب المتسربين.
إن خيار وزارة التربية لفتح شعب خاصة لطلاب فئة (ب) في المدارس جنباً إلى جنب مع الطلاب النظاميين يهدف إلى إعادة هذه الفئة من المتعلمين إلى الحياة المدرسية الطبيعية بما تتضمنه من نظام وانضباط ودوام والقيام بالأنشطة الصفية واللاصفية التي يقوم بها المتعلم النظامي بحيث تكون عودتهم إلى المسار النظامي سهلة وسلسة.
وقد تمّ إعداد المنهاج فئة (ب) للمستويات الأربعة للمواد الدراسية (اللغة العربية — الدراسات الاجتماعية: التاريخ/ الجغرافية/ التربية الوطنية —العلوم — الرياضيات — التربية الدينية) بحيث تتضمن تكثيفاً للمعارف
والمهارات الموجودة في منهاج الفئة /أ / حرصاً على ألا يفقد المتعلم أياً من المعارف أو المهارات وكي يكون قادراً على متابعة دراسته وفق مستواه العمري والعقلي.
دورات المكملين:
كان من نتائج الأزمة ظهور الفاقد التعليمي الكلّي أو الجزئي لدى تلاميذنا، والذي كان سبباً رئيساً في رسوب بعضهم وتقصيرهم في مراحل دراستهم ،وتتلخص هذه الفرصة بإقامة دورات دراسية في فصل الصيف لمدّة شهرين لتعويض هذا الفاقد والتي تتيح إمكانية تعديل نتيجة التلميذ المكمل في مدرسته الأصل، وتكسبه القدرة في حال اجتيازه الدورة بنجاح على المتابعة في الصف الأعلى.
سبوتنيك: تم إدخال اللغة الروسية خلال الفترة الماضية.. كيف يمكن العمل على تطوير العلاقات السورية — الروسية؟
الوزير: تجربة تعليم اللغة الروسية في سورية كانت موجودة في السابق إلى جانب تعليم اللغة الألمانية في بعض المدارس ، لذلك تم التعاون مع السفارة الروسية بدمشق لاتخاذ قرار تعليم اللغة الروسية مجددا في سورية نظراً لكونها إحدى اللغات الست في الأمم المتحدة ومن أكثر لغات العالم انتشاراً، وقد تم الاستعانة بكادر المدرسين من المواطنين السوريين الذين يحملون إجازات جامعية أو شهادات عليا في الأدب الروسي أو في طرق تدريس اللغة الروسية للأجانب أو اختصاصات علمية أخرى تم الحصول عليها من إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق أو من روسيا الاتحادية وأيضاً من المواطنات الروسيات اللواتي يتمتعن بالجنسية العربية السورية ويحملن الشهادات نفسها ووصل عدد مدرسي اللغة الروسية في هذا العام إلى 60 مدرساً، وأنا معربا على نجاح هذه التجربة، لذلك تم الاتفاق مع روسيا لإيفاد عدد من المدرسين الاختصاصيين إلى روسيا وتنظيم زيارات لتلاميذ متميزين.
سبوتنيك: خطة وزير التربية ما بعد الأزمة….
تتلخص خطة وزارة التربية ما بعد الأزمة في تأمين فرص التعلم البديل لأبنائنا الذين فاتتهم مدد دراسية تبدأ بشهور وتنتهي بسنوات؛ كيلا يتحولوا إلى أميين في وطننا الذي ننشد له التقدم والازدهار، وهذه الفرص
تتمثل في الاستمرار بتعليم المنهج المكثف الفئة (ب) الخاص بالتلاميذ المتسربين من التعليم الأساسي الذين تتراوح أعمارهم ما بين (8-15) ولم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة (مازالوا أميين) أو الأطفال الذين يعادون إلى المدارس بعد التسرب، وسنلحق هؤلاء بشعب خاصة ملحقة بمدارس التعليم الأساسي وفق سويتهم التعليمية ويطبق عليهم منهاج وخطة درسية موضوعة لهم يث يجتازون الصفوف من (1-8) وفق أربعة مستويات بأربع سنوات، كما أنه من خطة الوزارة خلال الأزمة وبعدها متابعة تطوير المناهج التربوية التي تركز على بناء الإنسان وترسيخ هويته الوطنية ، وتدريب الأطر التربوية على هذه المناهج، كما ستعمل الوزارة على ضبط جودتها.
أجرى الحوار: نور ملحم