وهنا سقطت أيضا كل الشعارات الواهية والكاذبة التي تتبجح بها واشنطن في دفاعها عن حرية وحقوق الإنسان في سورية وغيرها من دول العالم المخدوع أو المرهون لهذه التحديات. لقد قتلت أمريكا بجيشها الإنكشاري الإنسانية في سورية، وقتلت الحجر والبشر والشجر بطريقة هوجاء شنعاء تبعث القرف من الحرية والديمقراطية الأمريكية، التي تتغذى على ثروات ومقدرات الشعوب والدول على حساب دماء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء. نعم الولايات المتحدة أثبتت أنها الإدارة الدولية الممولة والداعمة والمسيرة للإرهاب الوحشي العالمي.
فقد تكشفت يوم أمس خلال جلسة مجلس الأمن بخصوص القضية السورية الكثير من الحقائق التي كانت قد وضعت الكثير من القوى والأطراف الدولية في متاهة حول دقائق الحالة السورية وتفاصيل الاتفاق الروسي الأمريكي، وتبين أن العقبة الحقيقية في التوجه نحو الحل السياسي الشامل في سورية تكمن في سلوك الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت إطلاع العالم على تفاصيل هذا الاتفاق، وسايرتها روسيا لأنها تعرف تماماً أنها إذا ما حاصرت هذا الوحش أكثر من ذلك ستكون الكارثة أكبر مما هو عليه الآن. لذا سعت روسيا رغم شجبها وتصريحاتها المحذرة، إلى فتح ثغرة الأمان لخروج آمن للولايات المتحدة من الحفرة التي حفرتها ووقعت هي فيها، والموقف الحاصل يعني أن الولايات المتحدة مستمرة في وضع العثرات والعقبات في وجه أي تطور أو جهد دولي لحل القضية السورية سياسياً وإيقاف الحرب الإرهابية على سورية، والتي تعد الذراع الأساس الذي تركن إليه الولايات المتحدة لتحقيق كل ما تستطيع تحقيقه في الوقت الضائع قبل الغوص في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.
هذا الموقف لم يثر الاستغراب الدولي والإقليمي ولم يكن مفاجئاً، ولكنه لقي الكثير من الشجب والإدانة من قبل جميع أطراف القضية السورية الخارجية والداخلية سواء الحكومي الرسمي أو في المعارضة الوطنية السورية، لأن الكيل فعلا طفح جراء هذا التعالي والغطرسة والاستهزاء الأمريكي بالجميع، ماعدا المجموعات الإرهابية المسلحة التي تخدم الأجندة الأمريكية التي باتت الولايات المتحدة رهينتها في التوسل لأجل تحقيق أي تقدم يضمن لها مكسباً ما يعطيها إمكانية المناورة ولو في الزاوية التي حشرت نفسها فيها لما تستمر فيه من غباء على مبدأ إن وجدت القوة لا داعي للعقل، وهنا تثبت الولايات المتحدة من جديد وعلى الملأ أنها تدير حلبة الإعاقات القائمة في وجه الحل في سورية.
بالعودة الى التاريخ قليلاً وبعد مرور مئة عام إلا عام على وعد بلفور المشؤوم الذي كان هدفه الأساسي تقسيم المنطقة وكعكاتها كل وفق الحصة المرسومة له من قبل الشيطان الأكبر، حينها المملكة المتحدة حية العصر والزمان ، ومع أن الجميع آنذاك حاول النصب والالإحتيال على الآخر، حين جلس الجميع على مائدة الشر العالمي خرجت روسيا من اللعبة.
اليوم التاريخ يكرر نفسه وبنفس القوى وعلى نفس المائدة، ولكن بأفكار وأساليب جديدة أكثر شراهة وتعطشاً للدم في سبيل السيطرة على العالم وعلى مقدراته. وعادت أسر ونمبلدون الحاكمة وملحقاتها في العالم وعلى رأسها في منطقة الشرق الأوسط إلى الخطة القديمة المحدثة بأكثر الأساليب دهاء وانعدام أخلاق وإنسانية. نعم هذا هو لب الحقيقة، وما حصل وجرى في جلسة مجلس الأمن مؤخراً لم يكن إلا مسرحية دولية، بدت روسيا فيها مضطرة أن ترمي الخبز العفن للأمريكي ليسد رمق جشعه به ريثما يتم إعطاؤه الهبرة التي يريدها، ولكن وفق شروط روسيا وحلفائها وبما يتطابق مع القوانين والشرائع الدولية والإنسانية التي انعدمت كلياً عند الأمريكي "إن وجدت أصلاً " وملحقاته التي تتخبط في مستنقع القذارة النتن الذي انتشرت رائحته دون أن يظهر كلياً على وجهه الحقيقي. أما ما قبل الجلسة وما يخص الاتفاق الروسي الأمريكي الذي وافقت عليه الحكومة السورية انطلاقا من التفاهم الروسي السوري وقدرة الطرفين على استقراء ما يضمره الأمريكي من لعبة أشد قذارة من جيفهم المتفسخة على الأرض السورية الطاهرة، فما كان إلا سفر برلك جديد يذكرنا بالجيش الإنكشاري العثماني وبأغنية عالروزانا وما فيها من ألم ومعان فاقت الشرح والتوضيح.
نعم الخلاف الأساسي الذي جاء في المؤامرة الكونية على الشعب السوري والدولة السورية يكمن في أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي البريء من أي أخلاق أو ذرة إنسانية، سعوا بكل ما عندهم إلى تصفية تواجدهم في سورية، ولكن بطريقة أشد خسة وعهرا بحيث منعوا تفتيش سيارات المساعدات الإنسانية، وهي مساعدات لا علاقة لها بالإنسانية، مساعدات في اتجاهين، في اتجاه القدوم هي مساعدات لوجستية داعمة لا يعرف محتواها إلا من أرسلها ومن سيستلمها، ومساعدات راجعة في طرق تكفل عودة قوافل الشر المغطى بغطاء الإنسانية الكاذب، وما هو بالحقيقة إلا إعادة انتشار الإرهاب. فهذه الشاحنات سوف تنقل العناصر والمجموعات الإرهابية الخاصة وقادتها من سورية إلى أرض العطاء الجديدة، والتي قد تكون أفريقيا التي تدور رحى الحرب الجديدة فيها وعليها من أجل ثرواتها وبدأوا في مالي والصومال والآن موريتانيا والفخ الأكبر يحضر لمصر وما حولها.
فكم تنتظر أفريقيا وشعوبها الفقيرة قسراً من قتل ودمار ودماء في هذه الحرب الشيطانية الحقيرة؟
نعم هذا هو سفر برلك 2016 الجديد، لأنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تفرط بهذه الأدوات الإرهابية التي وضعت فيها كل إمكاناتها على مدى سنوات طويلة وكانت زنبرك الاستثمار الأمريكي والغربي للإرهاب الدولي وصولاً إلى سورية. هذه الصخرة التي حطمت بصمودها ودعم حلفائها وعلى رأسهم روسيا، حطمت مائدة الشيطان وتطايرت كراسيها وحطمت الآمال المنشودة له ولحلفائه، الذين يتوسلون الآن إعطاء فرصة لملمة ما تبقى من قاذوراتهم لنقلها الى أرض جديدة لإعادة إنتاجها وفق مبدأ الصناعات الحيوية والحيوانية التي تدار بالمخدرات وحبوب الكبتاغون والروؤس الساخنة العفنة التي غسلت بأحدث طرق عرفتها البشرية.
فما هي الإجراءات والمتطلبات اللازمة في ظل المرحلة الراهنة لتفادي وقوع سورية وحلفائها في مطبات الهاوية التي توسع حفرتها الولايات المتحدة يوماً بعد يوم؟
تبدو جلسة مجلس الأمن القادمة هي الحاسمة، وقد تكون في الحقيقية بداية نهاية العالم، ولكن هذا الخيار أبعد ما يكون عن التطبيق، لأنه وإن أرادت الولايات المتحدة الموت للجميع حتى تثبت غرورها وعنجهيتها ضاربة بعرض الحائط أي نتائج كارثية، فهناك أقطاب عالمية جديدة صاعدة تريد لنفسها ولشعوبها الحياة والسلام، وهذا ما سنراه في خواتيم قضية القرن.
يبقى تساؤل أخير وهو الأخطر والأكثر حيرة، ألا وهو هل سيشهد العام مخاضاً يخلف وراءه عالما جديدا مع نهاية هذه المئوية تلعب فيه روسيا وحلفاؤها الدور المحوري؟ الزمن كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)