بلغ إعجاب اللاجئين بالمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إلى حد إطلاقهم عليها ألقاب "ماما ميركل" و"الحضن الدافئ" و"الأم الرحيمة"، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات تشيد بمواقفها المرحبة باللاجئين في بلادها، لاسيما السوريين منهم، وأهديت لها أغنيات على "اليوتيوب" لمشاركتها باستقبال عدد من اللاجئين في إحدى محطات القطار الألمانية.
وحملت رواية جديدة للروائي السوداني عماد البليك عنوان "ماما ميركل"، أبطالها مهاجرون سودانيون وإريتريون وعراقيون وليبيون يعيشون في ألمانيا، عرض فيها المؤلف الدوافع السياسية والإنسانية للهجرة واللجوء، واعتبرها الناقد عامر محمد أحمد "مغامرة جديدة على مستوى الخطاب السردي ومأساة العولمة والهروب الجماعي من الضياع والرتابة إلى مجهول الهجرة والبحر وأوروبا"، ورأى أن الرواية "تحمل رمزية هائلة تكشف افتقار العالم الثالث لحنان الدولة وعطف الواقع للعيش".
صورة مفعمة بالمشاعر أسدلت عليها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بإعلانها في مقابلة صحافية يوم أمس بتراجعها عن سياساتها المرحبة باستقبال اللاجئين، وتخليها عن شعار "سننجح في ذلك" الذي كان عنواناً لما وصف خلال السنوات الثلاث الماضية بـ"الحضن الدافئ" للاجئين، الذين لن يكون هذا التحول صدمة للكثيرين منهم، فالإجراءات العملية التي اعتمدتها السلطات الألمانية في التعاطي مع ملفات اللاجئين الجدد، خلال الشهور الماضية، كانت تصب باتجاه تغيير دفة السياسات بشأن الهجرة واللجوء.
السلطات الألمانية قامت منذ بداية العام الجاري بتفعيل ما يسمى بـ"قانون الحماية المؤقتة أو الفرعية" للاجئين الجدد، بعد أن تم وقف العمل به عام 2013، ويقضي هذا القانون بمنح اللاجئين إقامة لمدة سنة واحدة بدل ثلاث سنوات، وتجدد الإقامة سنوياً لخمس سنوات، ويترتب على ذلك حرمان اللاجئ من لمِّ شمل أسرته لمدة سنتين، ومنعه من العمل في قطاع الأعمال الحرة، وعدم استفادته من القروض الدراسية التي تمنحها الدولة، ورفع مدة الحصول على الإقامة الدائمة إلى خمس سنوات بعد حصوله على الإقامة المؤقتة.
ضمن هذه الإجراءات جاء تخلي المستشارة ميركل عن شعارها المرحب باللاجئين كتحصيل حاصل، بل وتنكرت لهذا الشعار، وفقاً لتقرير إخباري لوكالة الأنباء الفرنسية، بالقول: "أعتقد أحياناً أنه تمت المبالغة قليلاً في استخدام جملة (سننجح في ذلك) إلى درجة دفعتني للتوقف عن استخدامها، لقد تحولت إلى مجرد شعار بات خالياً من المضمون.."، وحاولت ميركل استرضاء المعارضين لاستقبال اللاجئين في ألمانيا بتأكيدها أن الهدف من الشعار لم يكن كما تم تفسيره، وأضافت بأنها كانت تقصد أن تقول من خلال هذه الجملة "ألمانيا بلد سيخرج قوياً من أزمة الهجرة".
وبتخلي ميركل عن شعارها وانقلابها عليه، تلحق ألمانيا بقطار الدول الأوروبية الأخرى التي استقبلت عدداً كبيراً من المهاجرين، فقد سبقتها في هذا المسار الدنمارك والنرويج، بالتشديد في إجراءات قبول اللاجئين ومنحهم الإقامة. وصوت البرلمان السويدي بأغلبية كبيرة، في حزيران/يونيو الماضي على إدخال تعديلات واسعة على قانون اللجوء تشدد المعاملات المتبعة، وتقضي التعديلات بمنح اللاجئين الجدد إقامة مؤقتة لمدة عام واحد فقط، بدل الإقامة الدائمة لمدة خمس سنوات، ووضع شروط صعبة تعيق لمَّ شمل عائلاتهم، وبرر المؤيدون لهذا التوجه بأن من شأنه توفير إمكانيات إدماج وترسيخ اللاجئين الموجودين في السويد.
نقطة التقاطع في تحول مواقف الدول الأوروبية في ملف اللاجئين، وآخرها ألمانيا، مردها حسابات سياسية — انتخابية، فالمستشارة الألمانية ميركل تريد وقف تراجع شعبيتها إلى أدنى مستوى لها بسبب أزمة تدفق اللاجئين إلى بلادها، وعينها على الانتخابات التشريعية المتوقع إجراؤها في خريف العام المقبل، والتي يجب أن تقرر قبلها ما إذا كانت سترشح نفسها لولاية رابعة في منصبها كمستشارة. وتغرق الأحزاب السويدية في لوغاريتم حسابات الانتخابات البرلمانية القادمة عام 2018، وتشكِّل قضية اللجوء محوراً رئيسياً في الصراع بين الأحزاب، رغم التراجع القياسي في أعداد اللاجئين الجدد عام 2016، وتشديد إجراءات اللجوء. والصورة مشابهة في النرويج والدنمارك وغيرهما من البلدان الأوربية الأخرى التي كانت تعد في السابق وجهة مفضلة للاجئين، الذين كانوا ينظرون إلى أوروبا باعتبارها "الفردوس المفقود"، قبل أن تتبدد أحلام الكثير منهم، ومقابلتهم بكتف بارد مثلما فعلت "ماما ميركل".
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)