لقد كان عجز الجامعة العربية نتاج لشبكة معقدة من التفاعلات الداخلية والخارجية، أحد أهم عوامل ضعف الجامعة يمكن ردها إلى عوامل ذاتية نابعة من الميثاق المنشئ لها، ولعل أبرز النقاط السلبية التي تضمنها الميثاق هو الجانب المتعلق بنظام التصويت واتخاذ القرارات حيث القرارات ملزمة لمن يقبلها فقط، الأمر الذي أدى لإفتقاد الجامعة القدرة على مواجهة التحديات والتطورات المحيطة بها على نحو فعال يلبي الطموحات والآمال التي كانت معقودة عليها، كما فشلت الجامعة في أن تقف حائلاً دون نشوب صراعات بين الدول الأعضاء بداخلها، ودفعت تلك العوامل مجتمعة إلى وجوب إصلاح الجامعة العربية.
كيف تم تهميش الجامعة؟
على مدار عقود والأحداث تعصف بالمنطقة العربية، وقد كان تأسيس الجامعة واحدة من الخطوات المهمة في إطار مواجهة التحديات التي تستهدف المشروع العربي في مرحلة ما بعد الاستقلال، وضرورة العمل من أجل وحدة عربية لا تزال تبحث عن مرفأ أمان بعيدا عن الأمواج العاتية. استمرار القضايا العربية الكبرى دون حل خصوصا القضية الفلسطينية وعدم بلورة موقف عربي موحد تجاه العديد من الأزمات الإقليمية والدولية، وتباين التوجهات السياسية بين الدول المختلفة، الأمر الذي دفع إلى ظهور تكتلات متعددة داخل الكيان العربي، خاصة في ضوء الأزمات المتلاحقة التي تواجه الشعوب العربية الباحثة عن درع يقي من شرور العدوان السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
دعا مجلس وزراء الخارجية العرب خلال الاجتماع الذي عقد مؤخرا إلى "ضرورة انخراط الجامعة العربية في أي اتصالات تجري بين مختلف الأطراف بشأن الأزمة في سوريا وكيفية معالجتها باعتبار أن الأزمة عربية بالأساس، وعدم قبول تنحية دور الجامعة العربية" ما يعني أن إشكالية بلورة موقف عربي واضح وصريح من الأزمة، تدفع العرب إلى وضع الأمانة العامة في صدارة المشهد من دون آليات تعكس الرغبة في صيانة الأمن القومي العربي.
المشهد العام لأداء الجامعة العربية، يشير إلى العجز عن القيام بأي دور فعال في الأزمات التي تلحق بالدول العربية، بينما تعتبر الأزمة في سوريا وليبيا واليمن ومن قبل الوضع المتردي في العراق والصومال، فضلا عن الاقتصاديات المتراجعة في الوقت الذي تقدم الأموال للجماعات الإرهابية المتطرفة التي تنشر الفوضى بالمنطقة، الأمر الذي يستدعي ضروة البحث عن بيت الداء الذي جعل من الكيان العربي الجامع غير ذات تأثير أو أهمية في مستقبل شعوب المنطقة وتساهم بفاعلية على الساحة الدولية.
ربما أصبحت الجامعة مرآة تجسد الواقع العربي، بينما الحقيقة أن ميثاق التأسيس يهدف إلى أن تكون أداة للتنسيق وليس للوحدة، كما أن الدول الأعضاء نزعت من الجامعة أي سلطة على الدول لا أعضاء بل أن الدول الأعضاء هي التي ترسم السياسة العامة، كما أن الأمانة العامة لا تمثل في مواقف موقف الدول الأعضاء، ومن هنا يبدو جوهر الخلاف حول جدوى عمل الجامعة إذا كانت مواقفها لا تتجاوز البيانات والتصريحات الصحفية التي لا تغني ولا تثمن من جوع.
ظل الفكر القومي مسيطرا على أداء الجامعة حتى اصطدم بالتوجه السياسي لعدد من الدول، فضلا عن الصراع الإقليمي والدولي وحالة الاستقطاب التي تشهدها الساحة الدولية، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على الأداء والقرارات، وبالتالي تم تهميش دور الجامعة حتى لا تحد من دور الدول الأعضاء.
اختطاف الجامعة
منذ توليه منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، يحرص الدبلوماسي المصري، أحمد أبو الغيط، على تفعيل دور أقدم وأعرق منظمة إقليمية ودولية، وبحسب البيان الصادر من مكتب الأمين العام ـ فهو يسعى إلى "تنشيط دور الجامعة على الساحة الدولية، خاصة فيما يرتبط بتناول الأزمات والأوضاع في المنطقة العربية، وتأكيداً لعدم قبول تنحية دور الجامعة في التعامل مع هذه الأزمات والأوضاع باعتبارها شأناً عربيا بالدرجة الأولى، وأن جامعة الدول العربية تظل هي الإطار المؤسسي الذي يعبر عن الإرادة الجمعية للدول الأعضاء".
كما تعتبر الأمانة العامة أن القضية الفلسطينية والأزمات في كل من سوريا وليبيا واليمن، وملفات التنمية والهجرة واللاجئين ومكافحة الإرهاب، في مقدمة أولويات الجامعة خلال المرحلة المقبلة.
لكن نجاح جهود الأمين العام مرهون باتفاق هذه الجهود مع سياسات الدول الأعضاء، بينما السؤال، كيف يمكن تفعيل مبادرات وجهود الأمين العام في ظل التناقض الواضح في المواقف في مختلف الملفات، خاصة تلك التي تثير القلق حول مستقبل المنطقة التي أصبحت أمام صياغة جديدة في خريطة التحالفات التي ربما تأتي على حساب المصالح العربية، والذي ظهر بوضوح في القرارات المتعلقة بالقوة العربية المشتركة التي تم تأجيل البت فيها إلى أجل غير مسمى.
اختلاف نظم الحكم في البلاد العربية، والتحالفات الإقليمية والدولية التي انضوت تحت راية الغرب الرافض لوجود أي عمل عربي موحد، معتمدة على التباين الكبير في مستوى الاقتصاد ما بين دول غنية وتملك الطاقة، وأخرى فقيرة تعاني من شح الموارد الاقتصادية وتقع في كثير من الأحيان لابتزاز سياسي من جانب بعض القوى.
الخلاصة
يظل دور المنظمات الإقليمة والدولية مرهون بمواقف الدول الأعضاء وتوفر الإرادة اللازمة لتفعيل العمل العربي الموحد، وأن تباين المواقف حول العديد من القضايا وعدم القدرة على سد الفجوة الاقتصادية التي تمثل عامل ضغط كبير على التوجه السياسي للعديد من الدول، وبالتالي إضعاف فرص قيام كيان عربي موحد قادر على مواجهة التحديات والانتصار لمصالح شعوب المنطقة وحضارتهم.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)
