الخبر الذي طالعناه جميعاَ بشأن إعلان أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي بأن المجلس سيصوت، الأربعاء، على مشروع قانون يهدف إلى منع بيع معدات عسكرية بقيمة 1.15 مليار دولار للسعودية، بسبب مخاوف بشأن اليمن، ليس أجوفاً، بل إن مشروع القانون نفسه يحمل بين ثناياه كثيرا من الخبايا والخلافات، والطموحات وخيبات الأمل أيضا، المتبادلة بين الدولتين.
فبينما يرى البعض أن الأمر لا يخرج بالفعل عن مخاوف داخل الكونغرس الأمريكي، بشأن اليمن والحرب التي تخوضها السعودية هناك، والتي توجه لها بسببها اتهامات بارتكاب مجازر واستخدام أسلحة محرمة دولية، وشن حرب إبادة واستهداف الأطفال والنساء والشيوخ، وهو الأمر الذي يحرج الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها مصدر التسليح الأول للدولة التي تقود الحرب في اليمن.
يرى آخرون أن هناك ميل داخل مجلس الشيوخ الأمريكي — وتحديداً نوابه الجمهوريين ومعهم بعض الديمقراطيين- إلى إقصاء المملكة من المشهد السياسي خلال السنوات المقبلة، واستبدالها بأطراف أخرى، غير مجادلة ولا تشكل قوة ضغط على أمريكا، التي تعاني من حرج دولي كبير في المرحلة الراهنة.
في حوار أجريته مع أستاذ العلاقات الدولية والباحث السياسي الدكتور أحمد النابت، رأى الأكاديمي المخضرم أن أمريكا اعتبرت السعودية الصديق الأقرب والحليف الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي، خلال السنوات الست الماضية، بل قدمت لها دعما غير محدود، من خلال المساعدة في قمع التحركات المعارضة في بلدان مجاورة، لمنع امتداد الثورات إليها.
وحسب حديثه، فإننا إذا أخذنا كل هذه الأمور في الاعتبار، ثم نظرنا إلى الضغوط التي مارستها المملكة مؤخراً على الولايات المتحدة، من أجل معاودة حصار إيران والانقلاب على الاتفاق النووي التاريخي، وجر أمريكا إلى أزمات دولية جديدة، ثم ربطنا كل هذه المعطيات بالأزمة التي تمر بها إدارة أوباما الراحلة والعاجزة عن كسب تأييد شعبي واسع للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، سنجد جوابا لسؤال: لماذا.
ويرى الباحث الشهير أن المملكة لم تحاول خلال الفترة الماضية اتباع أسلوبها المعتاد في التفاوض مع أمريكا، بل لجأت إلى أسلوب التهديد، فمنذ أيام قليلة هددت السعودية ببيع سندات تعادل قيمتها 750 مليار دولار، وهو ما قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية دولية، ستكون السعودية هي أول المتضررين منها، لأنها لن تبيع إلا بخسائر كبيرة، وفي الوقت نفسه ستكون أمريكا من المستفيدين، ولكن ظهور المملكة بمظهر "المهدد" أمر لا يرضي الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي.
اللافت أن العلاقات التاريخية، وليست كلها ناصعة البياض، بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، لم تصمد لتكون شفيعاً للأولى ضد غضب الأخيرة، التي حاولت خلال الفترات الماضية أن تمارس أنواعاً عدة من الضغوط، بداية من الضغوط الإعلامية، ومروراً بالتصريحات المختلفة لمسؤولين أمريكيين، وصولاً إلى الضغوط التشريعية.
ونذكر جميعاً محاولات تمت، في يوليو/ تموز 2016 الجاري، لتوريط السعودية في دماء ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، والتي دفعت المملكة إلى ممارسة مثل هذه التهديدات التي تحدثنا عنها.
النابت يرى أن الخطر الحقيقي من هذا القرار لم يبدأ بعد، فالجمهوريون داخل الكونغرس، الذين يؤيدون القانون ويسعون إلى إصداره والتصديق عليه، على وشك الحصول على مقعد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال مرشحهم القوي دونالد ترامب، وهو ما ينذر بكارثتين، الأولى على السعودية نفسها، من خلال موجة عداء قد تحولها إلى هدف صريح لأمريكا التي ستدّعي أنها ستحارب الإرهاب بمعاداة السعودية، والكارثة الثانية ستكون اقتصادية عالمية، بسبب الصراع المنتظر على موارد النفط.
المتوقع الآن، أن تتحرك المملكة بشكل سريع جداً، على مستويين، الأول رسمي، من خلال مخاطبة الرئيس باراك أوباما لاستخدام صلاحياته لوقف مشروع القانون وعدم التصديق عليه، والفرصة مواتية لهذا الأمر حالياً، خاصة أن الرجل الثاني في المملكة وهو ولي العهد موجود في أمريكا حالياً لحضور اجتماعات الأمم المتحدة. والمستوى الثاني إعلامي، حيث تبدأ الصحف والوكالات التابعة للسعودية حملات مضادة للقانون، حيث أن المملكة لديها كثير من الأذرع الإعلامية في الداخل والخارج، واستثماراتها كبيرة وواسعة في الإعلام، حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
ولكن، هناك رؤى أخرى تتعلق بهذا القانون، منها ما طرحه النائب في البرلمان المصري أحمد العوضي، وهو عضو في لجنة الدفاع والأمن القومي، من أن ما يحدث داخل الكونغرس الأمريكي حالياً، من التقدم بمشروع قانون يحظر بيع صفقات أسلحة للسعودية، هو محاولة لتعطيل أي قوة قد تنافس قوة إسرائيل العسكرية على المدى القريب أو البعيد.
كما اتفق النائب مع فكرة الضغط الأمريكي على السعودية، لتجبرها — بشكل ودي أو قانوني — على دفع تعويضات إلى أسر ضحايا أحداث 11 سبتمبر، باعتبار أن مخطط الجريمة والمسؤول الأول عنها وهو أسامة بن لادن سعودي، كما أن العملية نفسها شارك في تنفيذها عدد من السعوديين.
الآن…هل ستمارس السعودية هذه الضغوط المقترحة من أجل الدفاع عن صفقة أسلحة تريد شراءها من أمريكا؟ أم أنها ستترك الجمل بما
حمل، وتتجه إلى أي طريق آخر — وهي تملك المال اللازم — لتنوع مصادر تسليحها وتفتح صداقات وعلاقات مع أطراف دولية أخرى؟
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)