وجاء في المقابلة:
لا تزال الولايات المتحدة تستخدم اللهجة المعادية لروسيا. وتضغط على الدول الصديقة لروسيا. منظومات الدفاع الصاروخي الأمريكية تنتشر في بولندا ورومانيا والجمهورية الكورية، فهل من الممكن استئناف التعاون البناء بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن قضايا الساعة حول توفير الأمن الدولي؟
— نحن على استعداد للتعاون مع شركائنا الأمريكيين على أساس المساواة والاحترام المتبادل لمصلحة الجانبين.
بينما تصنف الولايات المتحدة روسيا بين العوامل الرئيسية التي تهدد الأمن القومي الأمريكي. ولا يمكننا إلا التعجب من المعايير المستخدمة من قبل واشنطن عندما تصنف روسيا في صف واحد مع "داعش" والايبولا في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.
وقد نشر الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية بترايوس، مؤخرا مقالا في مجلة "فورين بوليسي" المرموقة، وصف فيها روسيا بـ"الخطر المحتمل على وجود" الولايات المتحدة. وبالطبع، عندما تسود مثل هذه الأفكار في أذهان السياسيين الأمريكيين وعندما يتم تقديم ذلك للمواطنين العاديين عبر وسائل الإعلام على شكل قوالب نمطية فلن يكون من السهل إقامة حوار كامل وشامل في مجموعة واسعة من القضايا.
كما أن طرق الحماية من "التهديد الروسي" المزعوم تثير التساؤلات. فقد ذكرت موضوع نشر منظومات الدفاع الأمريكية على حدودنا. ويمكن لتلك المنظومات إطلاق صواريخ كروز، القادرة على الوصول إلى العديد من المناطق الروسية الاستراتيجية. وبالطبع، فإن الأمريكيين ينفون هذا الاحتمال لكنهم عاجزون عن تقديم حجج حقيقية.
وأكدت واشنطن مرارا في السابق على أن منظومة الدفاع الصاروخي في أوروبا موجهة ضد إيران. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الحاجة إلى القاعدة في ديفيسيلو الرومانية بعد الاتفاق بشأن الملف النووي؟
وتنطلق روسيا من حقيقة أن العزلة أو محاولة عزل لاعبين آخرين تأتي بنتائج عكسية متساوية في الوضع الدولي الراهن.
كما تبين في التاريخ الحديث أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ستعود إلى مجراها الطبيعي عاجلا أم آجلا، لأن المزيد من التدهور لا يخدم مصالح موسكو أو واشنطن على حد سواء.
ما زلنا نذكر قمة حلف الناتو المنعقدة في وارسو. هل من الممكن تفسير القرارات المتخذة هناك على أنها مراجعة للعقيدة العسكرية للحلف، التي تهدف إلى عزل النفوذ الروسي المتزايد في الشؤون الدولية؟
— لقد أجرى مجلس الأمن القومي الروسي تحليلا للوثائق والفعاليات المعتمدة في العاصمة البولندية. وعلى أساس هذا التحليل يمكن التوصل إلى استنتاج غير متوقع: أن الحديث لا يدور حول تغييرات جذرية في العقيدة العسكرية للحلف. كل ما في الأمر أن هناك تعديلا في الوثائق المعتمدة من قبل حلف الناتو منذ نهاية الحرب الباردة بما يتناسب مع الواقع الاستراتيجي. وعرض الناتو خلال القمة أنه لم يتخل أبدا عن العقيدة، التي وضعت منذ أيام المواجهة بين القوتين العظميين.
أود أن ألفت انتباهكم إلى المصطلحات المستخدمة من قبل بروكسل:"الاحتواء" و"الترهيب" و"الرفض" — فهل تتوافق هذه المفردات مع الحضور العالمي للمنظمة والكفاءات المتعددة الجوانب التي تبني دعاية بروكسل؟ هذه المفاهيم تلائم أكثر الكتل السياسية والعسكرية التقليدية، التي تعمل على إخضاع الدول الأضعف لإرادة الأقوى من أجل تحقيق أهدافه.
وإن برامج المناورات التي ينفذها الحلف لا تضع مكافحة الإرهاب والتخلص من عواقب الكوارث ضمن أولوياتها، بل هي تكرر برامج "الحرب الباردة"، لكن ضمن نطاق أصغر.
وتفضل بروكسل تجاهل حقيقة وجود تهديدات تواجه الأمن الأوروبي أخطر من "الحرب الهجينة"، التي يدعي الحلف أن روسيا تخطط لها.
وينص البند الأول من بيان الحلف، المعتمد في وارسو، من قبل مجلس رؤساء دول وحكومات حلف الناتو، على أن روسيا هي التهديد الرئيس. ويزعم الحلف أنها "قوضت أسس النظام الأوروبي"، بينما يذكر تنظيم "داعش" في البند الثامن في سياق الحديث عن استخدام طائرات الاستطلاع "أواكس".
وفي ظل هذه الظروف ما زالت روسيا تستخدم منصة مجلس روسيا — الناتو للحوار. وتعمل على الاتفاقات الثنائية بشأن الوقاية من الحوادث في البحار والمجال الجوي. وأنا على ثقة بأن الجهود المشتركة للمجتمع الدولي ستوصلنا في نهاية المطاف إلى إنشاء بنية تحتية فعالة للأمن المشترك وغير قابلة للتجزئة وستحول التكتلات العسكرية والسياسية إلى مفارقة تاريخية غير مجدية.
يدور الحديث مؤخرا عن تدهور الوضع الأمني في أفغانستان وتأثير ذلك سلبيا على دول آسيا الوسطى، وبالتالي ظهور تهديدات إضافية لروسيا. كيف تقيمون الوضع في أفغانستان وما هي ردود أفعالكم على ذلك؟
— يقوى في أفغانستان موقف الإرهابيين وتنمو تجارة المخدرات، التي تعتبر أحد المصادر الرئيسية للتمويل. وتنشط في البلاد، بالإضافة إلى حركة "طالبان" الأفغانية، كل من حركة "طالبان" الباكستانية ومنظمات متطرفة إقليمية، مثل "الحركة الإسلامية" الأوزبيكية، وكذلك التنظيمين الدوليين "داعش" و"القاعدة". وقد شكل المتطرفون في المحافظات الشمالية مراكز لهم تمثل تهديدا مباشرا لبلادنا ودول آسيا الوسطى.
لذلك فنحن نرصد تلك العمليات المدمرة ونحاول أن نكون السباقين. ونجري هذا العمل بأشكال ثنائية ومتعددة الأطراف على حد سواء. ونولي اهتماما خاصا لتعزيز التعاون في المنظمات الإقليمية. ويتم اتخاذ التدابير اللازمة، التي تحمل طابعا عسكريا، ضمن إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي. بينما يجري التعاون في مجالي مكافحة الإرهاب والمخدرات ضمن إطار منظمة شنغهاي للتعاون. إضافة إلى ذلك يجري مجلس الأمن الروسي مشاورات روسية أفغانية مع ممثلي الجهات المعنية في البلدين. وتتم مناقشة المشاريع المستقبلية، التي ستساهم في إعادة بناء الاقتصاد الأفغاني والاستعداد لتوقيع اتفاقيات ثنائية حول الأمن وتعميق التعاون الشامل.
إن العمليات العسكري على الأراضي الأفغانية وحدها لا تكفي. فعلينا فهم أسباب التطرف للشعب الأفغاني، الذي يكمن في التدخل الأجنبي والأزمة السياسية الحادة والبطالة وصعوبة الحصول على التعليم. ولا بد من بذل الجهود من قبل المجتمع الدولي ضمن إطار الأمم المتحدة للتغلب على هذه العوامل السلبية.
كيف تقيمون الوضع في سورية وآفاق التسوية السورية؟
سورية — وقعت ضحية "المعايير المزدوجة" في الحرب ضد الإرهاب، التي يمثلها الغرب وبعض اللاعبين الإقليميين لتحقيق مصالحهم الخاصة. والخاسر في هذه اللعبة هو الشعب السوري.
وندعو اليوم إلى وضع الجوانب الإنسانية للصراع السوري في رأس القائمة. وترسل وزارتا الطوارئ والدفاع الروسيتين المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري باستمرار.
وتشكل "جبهة النصرة"، المعترف بأنها إرهابية من قبل المجتمع الدولي خطرا كبيرا إلى جانب "داعش". ووفقا لبيانات الأمم المتحدة فإن أكثر من نصف المسلحين الذين يقاتلون في حلب ينتمون إليها. وتغيير اسمها إلى "جبهة فتح الشام" لا يحولها إلى "معارضة معتدلة". ومهما كان اسم الجماعة المسلحة فإن كانت تستخدم أساليب إرهابية فليس لها مكان على طاولة المفاوضات ويجب القضاء عليها.
ويكمن العائق الرئيس أمام القضاء على "جبهة النصرة" في الحاجة إلى فصلها عما يسمى بالمعارضة المعتدلة. وعلى الرغم من جميع الاتفاقات الروسية الأمريكية بشأن هذه المسألة، فقد أثبتت واشنطن عدم قدرتها أو ربما عدم رغبتها في تنفيذ وعودها. وخلافا لموسكو، فإن الجانب الأمريكي لم ينفذ التزاماته.
والأمثلة الأخيرة تثبت ذلك. فبينما سحبت الحكومة السورية قواتها من طريق "كاستيلو" لم تتخذ "المعارضة المعتدلة"، المدعومة من قبل واشنطن" إجراءات مماثلة، بل ومنعت قوافل الأمم المتحدة من المرور.
ونذكر كيف قصف الأمريكيون، كما زعموا عن طريق الخطأ، القوات الحكومية السورية المحاصرة من قبل "داعش" في دير الزور يوم 17 أيلول/ سبتمبر. ولم تكن المفاوضات اليومية مع الجانب الروسي إلا وسيلة تستخدمها واشنطن لتوفير الوقت اللازم لإعادة تجمع المسلحين. ونرى النتيجة اليوم: هناك العديد من المجموعات المسلحة على الأراضي السورية، المدعومة من قبل الولايات المتحدة، التي تنضم إلى "جبهة النصرة".
وأخيرا، أكدت الولايات المتحدة على سياسة "المعايير المزدوجة" عندما أعلن عن إيقاف الحوار مع روسيا بشأن الأزمة السورية قبل بضعة أيام.
لكننا لا نفقد الأمل بأن تسود وجهة النظر البناءة في واشنطن. ونحن مستعدون لدراسة إمكانية اتخاذ تدابير إضافية لتطبيع الوضع في حلب ضمن إطار الحوار العسكري.
إن الإرهاب لا يعرف حدودا لدولة، وما يجري اليوم في سورية والعراق وليبيا واليمن وأفغانستان، قد يتكرر غدا في بلدان أخرى.