تحدثت مايا محمد رمضان، ماجستير في التراث الشعبي لـ"سبوتنيك"، عن أن المراكب الخشبية التي تصنع في جزيرة أرواد هي نموذج متطور عن سلفها المركب الفينيقي الذي تميز بمواصفات فريدة حققت له شهرة واسعة، وأصبح نموذجا تحتذي به الحضارات التي مرت عبر العصور بدءاً من الإغريق والرومان والبيزنطيين وصولاً إلى العصر الإسلامي حيث أنجزوا المراكب بنسخ مطورة عن المركب الأروادي الذي ما يزال حتى وقتنا الحاضر له بصمة خاصة وأثر.
وأوضحت رمضان، أن الحرفي الذي يعمل في هذه المهنة يجب أن يكون دقيق في أخذ القياسات ويتمتع بالصبر والنظرة الدقيقة في اختيار الألواح الخشبية وأماكنها المناسبة لاسيما أن المقاسات يجب أن تكون دقيقة للقطع الخشبية "الأضلاع، البروة، الضفر، البدن" ففي حال حدث خطأ صغير في القياس ولم تركب القطع إلى بعضها بالشكل المحكم والمطلوب، فيتم حينها رمي القطع الخشبية مغلوطة القياس وتفصيل قطع جديدة وإعادة تركيبها وإصلاح الخطأ أما عند صناعة الأضلاع التي هي منحنية الشكل الناتج بعد إجراء مجموعة عمليات عليها وتلك العمليات يلزمها حرفي ذو خبرة عالية أو هي منحنية بشكل طبيعي حيث يتم استخدام ألواح الخشب الأعوج المنحني ويتم انتقاء الأضلاع الأكثر ملائمة منه.
وتابعت رمضان: يمكن تمييز المركب الأروادي عن غيره أينما وجد في ميناء أي بلد خارجي من ألوانه حيث لحرفيي أرواد نمط دهان شبه موحد، ومن شكل المقدمة المتعددة، وأحياناً يكتب على المركب حرف "R" اختصار لأرواد ويوضع على المركب اسم له نمرة ورقم لتسجيله في الهيئة الملاحية في طرطوس، إذا كان المركب أنزل إلى البحر ليعمل في مياه طرطوس فيكتب "ت، T "، وفي بيروت" ب، B"، علماً أن وجه الشبه بين القارب الأروادي والفينيقي في أنه أحد أشكال مقدمة السفينة الفينيقية كانت مدببة تستخدم في الحرب لمهاجمة الأعداء إضافة إلى أن المقدمة الدقيقة تسهل على المركب شق طريقه في البحر والنقوش الأثرية التي تم اكتشافها وطرق صناعتها، وكذلك كان الشراع الفينيقي مربع ذو ألوان زاهية أرجوانية وبيضاء وإن السفن الشراعية التي كان يعتمد عليها الأرواديون في التجارة وبزمن ليس ببعيد حوالي ستينيات القرن الماضي قبل البدء بالاعتماد على محركات الديزل أن شكل الشراع الذي يعلق على السارية كان مربع وأيضا ألوانه بيضاء وأرجوانية.
وكانت تزين السفينة الفينيقية بتماثيل طائر الفينيق — فرس البحر- رأس الحصان" توضع في مقدمة المركب ويزين جوانبه بالأفاريز المخططة ونهايته على شكل ذيل سمكة كما ينقش في مقدمة المركب على جانبيه رسم العين لإخافة الأعداء وترهيبهم لإغراض سحرية حسب معتقدات فينيقية قديمة ولإبعاد الشر عنهم وحماية المركب كما كانت تزين المراكب برسم كف اليد، وفي المراكب الأروادية يتم التزيين منحوتة على شكل سمكة أو طائر، كما ينقش على جانبي المركب في المقدمة نجمة يحيط بها مجموعة نجوم تبدو من بعيد على شكل عين وكأن المركب له عينان، وتعلق زينة على شكل كف اليد للحماية ورد الأذى، إضافة إلى أن شكل المؤخرة في السفينة الفينيقية نصف دائرية وكذلك أحد أنواع مؤخرات المراكب الترس الأروادية نصف دائري وهذه نقاط تشابه بين النموذجين الأروادي والفينيقي.
وبينت رمضان أن هذه الحرفة كغيرها من الحرف تواجه تحديات وتعاني صعوبات ومشاكل نتيجة للتطور التكنولوجي، مما يشكل خطراً على الحرفة ويهدد بقائها فمعظم الناس يتوجهون إلى المراكب التي تتوافر فيها مقومات الرفاهية الأكثر وان كانت ضارة بالبيئة أو مصنوعة من مواد مصنعة، في حين لا نستطيع نكران جودة المراكب الحديثة والصعوبات التي تخطتها وظهورها كمنافس للمراكب الخشبي، والمراكب الخشبية تصنع بشكل كامل من الخشب، فهي معرضة للإصابة بالفطريات والأمراض التي تصيب الخشب فيتعرض أسفل المركب للإهتراء وتحتاج للصيانة بشكل دوري ومستمر وهذا يؤدي إلى مزيد من التكاليف لصاحب المركب، بينما المراكب المصنعة من المعدن أو حتى المواد البولميرية فلديها مقاومة أكثر لفطريات الماء وصيانتها أقل ولفترات متباعدة لذلك تحتل منافسة قوية للمراكب الخشبي ولاسيما مع التطور العلمي المتزايد.
وكان مركب الصيد — بحسب رمضان — يكلف 300 ألف ليرة سورية قبل تعرض البلاد للحرب التي انعكست على كافة عناصر المجتمع السوري بشكل سلبي، و أصبح يكلف المركب من 15 إلى 20 مليون ليرة سورية من مواد أولية وخشب ومعدات وبإشراف لجنة فنية مفروزة من مديرية الموانئ، و لا يمكن تأمين وصناعة مركب خشبي بسهولة فيتوجب على صاحب المركب تقديم كل ما يلزم للحرفي لصنع المركب المطلوب مما يضعف مردود ومقدار ربح الحرفي.
ويخشى الحرفي الأروادي خطر زوال هذه الصناعة العريقة تدريجياً بسبب وفاة أكثر صناعها القدامى في أرواد وعدم تعلم الجيل الجديد هذه الحرفة التي تكمن أهميتها من كونها مميزة ونادرة ومنحصرة في منطقة ضيقة في الساحل السوري وهي مهددة بالزوال بسبب منافسة المراكب الحديثة التي يدخل في صناعتها المعدن والبولمير الصلد.
وختمت رمضان، أن البيئة البحرية قد حتمت على السكان أن يعملوا بغالبيتهم في حرفة صناعة المراكب الخشبية نظراً لضيق مجالات العمل المتاحة، إضافة إلى المكوث في فصل الشتاء القاسي في البيوت والمقاهي دون عمل أي شيء سوا الراحة إلى أن يهدأ الطقس البحري فيعودوا إلى صناعة المراكب والإبحار لكسب قوت العيش، وقد جنى الأرواديون مكاسب اقتصادية وخير وفير من وراء مزاولة هذه الحرفة ولقيت منتجاتهم لتميزها صيت ذائع في حوض المتوسط شهرة عالية التي وصلت إلى رومانيا وقبرص واليونان وأيضاً بريطانيا التي استعانت بدورها بفريق أروادي لإنشاء نموذج عن المركب الفينيقي لاعتبارهم الأجدر على ذلك وقد تمكن حرفيو أرواد بالفعل من صنع نموذج أكثر شبها من بين جميع النماذج للمركب الفينيقي وذلك بالطبع يعود لسبب قوي بأنه نموذج المركب الفينيقي هذا قد صنع في وطنه الأم الساحل السوري، كما وتم تصدير هذه المنتجات إلى بلدان شتى.
