تقول هالة الشمري، الفتاة العشرينية، التي تُوجت ملكة "جمال بغداد" العاصمة العراقية، عام 2014، في حديث لمراسلة "سبوتنيك" في العراق، إنها تتجه لمدينة الموصل في زيارة هي الثانية من نوعها، قريبا ً، تحمل معها مساعدات إغاثية ومنها حليب للأطفال الذين عانوا الجوع والمأساة في ظل تنظيم "داعش" الإرهابي طيلة الأعوام الماضية.
في زيارتي الأولى للساحل الأيسر لمدينة الموصل مركز نينوى شمال العراق، قبل وقت قصير، بعدما قصم ظهر "داعش" واقتلع وجوده على يد القوات العراقية، في الأيام القليلة الماضية، وقف الطفل ذو البلوزة الحمراء، جاء إلي من حي الفلاح "شرقي الموصل"، ينتظر أي شيء نقدمه له مما نحمل معنا، وهو أكثر ما أثر بي — الأطفال كانوا يطلبون العلم العراقي قبل وجبات الطعام والمياه".
شاهدت الحرية في مناطق الموصل بوجود القوات العراقية، ومنها صالونات الحلاقة كانت مكتظة بالرجال، وأبوابها مفتوحة لاستقبال المزيد من الراغبين بالتخلص من كل ملامح التشابه "بالدواعش"من لحى طويلة وشعر أشعث.. بعدما كانت هذه المحال محرمة من قبل التنظيم الإرهابي في الموصل بإجباره للرجال والشباب بإطالة شعر الرأس واللحية ويعاقب كل من يخفف نمو الشعر ويتمرد على التنظيم، بالشفرة والموس.
وبالإضافة لزوال الخمار، من وجوه الموصليات، رأيت تدحرج الكرة التي كان لعبها محرما من قبل تنظيم "داعش" في نينوى ومركزها، بين أقدام الشباب يمرحون بها في ملعب محيطه مهدم بالكامل بسبب الحرب- لكنه لم يمنعهم من فرحة عودة الحياة للساحل الأيسر باندثار شر "الدواعش" وخلافتهم التي شوهت وقتلت كل شيء وقع بقبضتهم.
وقطعت مع فريقي 19 ساعة — طريقا ً طويلاً من بغداد إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، ومن الأخيرة انتقلنا إلى المناطق المحررة في الموصل، بعد تحضيرات وجمع تبرعات وتبضع الاحتياجات للناس الذين استطاعت القوات العراقية حفظ حياتهم واستعادتهم من قبضة تنظيم "داعش".
وروت الشمري وهي حقوقية وناشطة مدنية من مواليد 1991:
"إن التحضيرات لحملة المساعدات التي خصصناها للموصل، بدت قبل أيام من سفرنا إلى الإقليم، جمعنا بها التبرعات، وكانت فكرة فريقنا هي التوجه إلى أحد المخيمين الخازر أو "حسن شام"، في شمال العراق، لكن اتصالاتي بفريق أربيل نقلوا لي الصورة من الساحل الأيسر للموصل، وأخبروني بأن الوضع في الأحياء المحررة صعب جداً والناس هناك لا يستطيعون شراء الغذاء ولا شيء يصل إليهم".
وتضيف، طرحت الفكرة على الفريق، وجمعنا التبرعات وتوجهنا نحو حي الزهور "شرقي الموصل"، وقبلنا سافرت زميلتي "بان" وقامت بشراء المواد الإغاثية من أربيل.
وتابعت..تمكنا من دخول الموصل بالتعاون مع ناشطين بفريق معني بالإغاثة والمساعدات يدعى "نخبة النخبة"، وبتأمين من الفرقة الذهبية أحد أبرز فرق القوات العراقية القتالية المتخصصة بحرب الشوارع، ووصل إلى القادة العسكريين بجهاز مكافحة الإرهاب، هناك وعلى رأسهم، الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، وعميد حيدر رزاق، والفريق الركن سامي العارضي.
وتعرض الناشطون أثناء توزيع المساعدات على العائلات، لقصف مدفعي، قرب وداخل جامع "عثمان بن عفان" الذي المشهد به مختلفا قبل أيام حيث مجموعة "دواعش" في أرجائه، أحدهم يعتلي المنبر لبث سموم التنظيم وحث الشباب على المضي معهم إلى الحوريات في أرض أحلامهم الوهمية، وتجنيد الأطفال ماكنة للقتل معهم.
ولحسن الحظ، القصف بقذائف الهاون التي أطلقها تنظيم "داعش" بشكل عشوائي، من منطقة أخرى غير محررة منه، مستهدفا المدنيين والناشطين والقوات الأمنية، لم يسفر عنه إصابات أو ضحايا سوى أضرار مادية تضاف للدمار الذي خلفه التنظيم في الحي.
وأخبرتنا الشمري، أن فريقها مع شباب "نخبة النخبة" وهم من أبناء مدينة الموصل متطوعين لإغاثة النازحين والمتضررين من العنف والإرهاب، وزعوا 350 سلة غذائية، مع 1500 ربطة ماء، مع الخبز والعلم العراقي على المدنيين في الزهور ومناطق محررة أخرى في الساحل الأيسر من مركز نينوى.
ولفتت الشمري، إلى أن معنويات الناس الذين صادفتهم في الأحياء المحررة من الساحل الأيسر، ممزوجة بين الفرح والخوف كونهم ينتظرون استقرار الأوضاع الأمنية أكثر بتحرير كامل الموصل من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي بتقدم القوات العراقية التي استطاعت أن تقطع شوطاً كبيرا ً في عمليات "قادمون يا نينوى" منذ يوم انطلاقها في 17 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.
وأكثر ما كان يفرح الفريقان — هم الأطفال في الموصل يطلبون راية صغيرة للعلم العراقي قبل أن يحصلوا على الوجبة الغذائية..وفي ختام حديثها لنا، قالت هالة الشمري، "هذه المرة الأولى التي أزور الموصل في حياتي، وإن شاء الله أزورها قريبا ً، وهي بكامل نصرها وتحريرها من سيطرة "داعش" الإرهابي".
وحين توجت هالة في قلب بغداد، ملكة جمال تتحدى تعنيف المرأة والإرهاب، في الوقت الذي استولى تنظيم "داعش" على كبرى مدن العراق، الأنبار ونينوى وصلاح الدين، وسفك فيهن الدماء وعاث الدمار في منتصف عام 2014.
وتمكنت القوات العراقية، في عمليات "قادمون يا نينوى" التي انطلقت يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن تحرز انتصارات كبيرة على تنظيم "داعش" وتكبيده خسائر بشرية فادحة، في المحافظة والساحل الأيسر من مركزها الموصل ثاني أكبر مدن البلاد سكاناً بعد العاصمة بغداد.