وأشار بلاكلر إلى أن الواقع الذي كان مسيطر حتى تلك الفترة تمثل بما يعرف بالفتوى، إذ قال محمد عبده (1849- 1905) قبل وقت قصير من وفاته، وهو الذي يعتبر أبو الإصلاحية الإسلامية، إنه ما من مانع على المؤمنين استهلاك كافة اللحوم المذبوحة من قبل أهل الكتب السماوية باستثناء لحم الخنزير، وبذلك يمكن لأي مسلم يعيش في البلدان ذات التقليد المسيحي مشاركة المائدة مع كافة أبناء الطوائف الأخرى.
إلا أن هذا الوضع أصبح أكثر حساسية أو صعوبة مع ابتكار ما يسمى سوق الحلال مع نهاية سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وبالتحديد سنة 1979 عندما تلاقت الحركات الأصولية مع النيولبرالية المعولمة، ونتج عن تلاقي هاتين الإيديولوجيتين تخصيص فضاء خاص لأغذية المسلمين: بعضها لإقامة حدود رمزية بين المسلمين وبين غير المسلمين، وبعضها الآخر للنفاذ إلى أسواق الدول الإسلامية.
وكان ذلك في إيران إبان الثورة الإسلامية سنة 1979 عندما تدشن هذا التعاون الفريد، وقام آية الله الخميني بمنع استيراد اللحوم من الدول الغربية بحجة أنها غير قانونية…إلا أن هذا القرار لم يلاق شعبية واسعة وخاصة في أوساط الطبقة الوسطى الإيرانية، ولكن كان للزعيم الجديد للبلاد آنذاك فكرة السيطرة الإسلامية مباشرة على مسالخ المصدرين، ووافقت كل من استراليا ونيوزيلاندا على هذا القرار مع إيران في توقعات منهم الحصول على ميزة تنافسية للتصدير إلى إيران والدول الإسلامية الأخرى تحت ىمسمى (خط إنتاج الذبح الحلال) الذي يمر تحت سيطرة المسلمين ولكن في بلاد (الكفار). وكانت هنا ولادة "الحلال" وبداية توسعها في وقت لاحق إلى كل من مصر وماليزيا والمملكة العربية السعودية التي قامت بدورها أيضاً في فرض سيطرتها على تجارة الذبح الحلال.
ويقول عالم الاجتماع ماكس فيبر، إن نقاط التقارب بين النيوليبرالية والأصولية الإسلامية مسألة اختيارات بين بعضهم البعض، وهم يعملون سوية ولكنهم يبتغون غايات مختلفة.
ويتضح من إنشاء معايير الجودة (ISO) عبر المنظمة الدولية للمقاييس والجودة، ولجنة المقاييس الأوروبية والجمعية الفرنسية لتوحيد المقاييس، يتضح أنه يوجد داخل هذه اللجان ما يجمع "أصحاب المصالح" لتنظيم كل من السوق والمنظمات غير الحكومية، الأمر الذي ينعكس بالفائدة ويخدم مصالح الحركات الأصولية بينما تبقى المكونات الأخرى من المجتمع الإسلامي مثل الصوفيين والليبراليين محرومين من تطوير معايير خاصة بهم لما يسمى "الصناعة المتعلقة بالدين".