وقال في تصريحات، نشرتها وكالة أنباء الإمارات، "إن ثورة الجزائر التي قامت سنة 1954 واستمرت حتى سنة 1962 على يد جبهة التحرير الشعبية الجزائرية، سببت أزمات حادة في فرنسا، مشيرا إلى أنها كانت وراء سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة ورجوع شارل ديغول للحكم والإطاحة بالحكومات الفرنسية المتتالية.
وأكد القاسمي أن الموضوع لا يتعلق بـ"جبهة التحرير" وإنما كان فقط تعبيرا عن تأثير الثقافة على الإنسان السلط المتشدد الشرس لدرجة أن يتغير طبعه…وقال: "وإذا كان إخوتنا في الجزائر اعتبروا ذلك إجحافا بحقهم، فأنا أعتذر عن ذلك ولهم كل الود والاحترام."
وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، ردّ في وقت سابق الأربعاء على الجدل الدائر، معتبرا أنه "لا يجوز التشكيك بحب الإمارات للجزائر ولثورتها وتضحياتها".
وقال أنور قرقاش في سلسلة تغريدات على صفحته الرسمية في "تويتر": "البعد الذي تطرق له الشيخ سلطان القاسمي أحد جوانب صراع قاده شعبها (أي الجزائر) ملحميا بتضحياته" مضيفا: "الاستقلال الجزائري وليد تضحيات الشعب ومقاومته عبر ثورة تاريخية كبرى، والأدوار الإقليمية والدولية جزء مساند من المشهد، وقارئ التاريخ يدرك ذلك".
وكانت آخر تغريدات قرقاش: "لا يمنع ذلك أن المشهد المعقد شمل أدوارًا للدول والشخصيات والشعوب المساندة للثورة، ولا يبخس ذلك من التضحيات الكبرى التي حققت الاستقلال والحرية".
وتعود الأزمة لتصريح منشور على الموقع الرسمي للشيخ القاسمي، يوم 19 مارس/ آذار 2017، على هامش حديثه مع وسائل الإعلام في معرض لندن للكتاب في دورته الـ46، إذ قال القاسمي: "سأل ديغول وزير ثقافته كيف أستطيع أن أكسب ود العرب الذين تُمَجِد فيهم؟ فأجابه: بأن ترضي الزعيم العربي جمال عبد الناصر، رحمة الله عليه، فإذا كسبت الزعيم العربي جمال عبد الناصر فإنك ستكسب العالم العربي بأكمله".
وتابع قاسمي: " فسأله ديغول: كيف يمكنني أن أكسب الزعيم العربي جمال عبد الناصر؟ فأجابه: عليك أن تعطي الجزائر استقلالها، فقال ديغول قاصداً الجزائر: الآن عرفتهم، وعمل على استقلال الجزائر"، وجاءت تصريحات القاسمي في معرض حديثه عن " الثقافة والحكمة في التفكير السياسي"، وأسباب طلب ديغول، رئيس الجمهورية الفرنسية الخامسة، لوزير الثقافة بالجلوس قربه على الدوام في اجتماعاته مع بقية الوزراء.
الإعلامي والباحث الجزائري بجامعة السوربون، قال لـ"سبوتنيك"، "في البداية أريد أن أذهب بهذه القضية إلى بعيد، هذه الأمور تؤخذ بسوء فهم، أو سوء تقدير، أو تفهم بعدة معاني، والناس التي انفعلت مع القضية، ترى أن دولة الإمارات العربية، شقيقة، وهي جزء من ذلك الكيان العربي الكبير الذي حلمنا ولازلنا، بأن تكون بيننا وحدة عربية حقيقية".
وأضاف طوالبية "ما دام هناك اعتذار، وتصريحات من قبيل أن اسيء فهم هذا الكلام، فيقبل، فنحن نتفهم، ولن نتسبب في قطيعة بن دولتين، فالإمارات دولة عربية كبرى، والجزائر أيضًا لا يمكن أن تعيش بمعزل عن العالم العربي".
وعن ردة الفعل الشديدة من جانب الجزائريين قال "تلك طبيعية جدًا، دون أن يكون هناك خروج عن المعقول، إلى كلام قد يسيء ربما إلى دول أو أشخاص، وركز معي في المجتمع الجزائري، الذي مازال يتذكر شهداء ثورته، وجرح ذلك المجتمع مازال شديدًا".
وقال الدكتور كمال خلف الطويل عضو مركز دراسات الوحدة العربية، وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، تعليقا على جدل تصريحات حاكم الشارقة، "سلطان القاسمي من خلفية ناصرية بامتياز، قد تكون من منشأ عقدي لكن فيها من ضرورات السلطة والمحيط والجغراسياسة الكثير، وما من شك أن كلامه عن الجزائر حمال أوجه، ولكن ما من أحد يستطيع أن يقلل من نضالات شعب ثائر دفع ثمناً باهظًا، عبر قرن وثلث قرن، لنيل حريته واستقلاله".
وأضاف "في المقابل، فهناك كثير من المحرمات البالية التي تحيط بالنضال الجزائري، والتي أسعد أن رهطًا من المؤرخين الثقاة في الجزائر، يقومون الآن بتكسيرها وتظهير حقائق مطموسة حولها".
وتابع "هناك أمثلة، مصالي الحاج ودوره، لاسيما منذ 1954، والصراعات البينية المهولة عنفاً، والتي نتج عنها اغتيال القيداي الرئيسي لمؤتمر الصومام، رمضان عبان،ومسألة العروبة والإسلام والأمازيغ، والفرانكفونية، هل موثق أن عدد الشهداء هو مليون الى مليون ونصف؟ وما هي نسبة ضحايا العنف البيني منهم؟".
وأكد الدكتور كمال خلف الطويل أنه "معلوم أن خطي الحدود المكهربين اللذين أنشأهما ديغول عام ٥٨ أخمدا الثورة المسلحة فعليًا، وأن أنشطتها ما بين 58 و61 كانت محدودة وطغى النشاط السياسي والإعلامي عليها، وأن دور العوامل الجيوسياسية، بل والجيوثقافية، أصبح الأبرز".
وأضاف "يحضرني هنا قول لأندريه مالرو، وزير ثقافة ديغول المفضل لديه، نهاية 65، وفِي عز انتخابات الرئاسة الثانية لديغول: يحكم القرار العالمي خمسة رجال، رئيس الولايات المتحدة أياً كان، السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفييتي أياً كان، ماوتسي تونج —بالتحديد- عن الصين، ديغول — بالتحديد — ممثلاً ل"أوربا"، وعبدالناصر —بالتحديد- ممثلاً للعالم الثالث".
وقال المؤرخ الجزائري الدكتور محمد الأمين بلغيث، "هل من المعقول أن ديجول الذي حاول تحطيم المصريين، من خلال عدوان ثلاثي شاركت فيه إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، بدعم أمريكي كبير جداً، أن له حب وعشق خاص لعبدالناصر".
وأضاف "الكلام مأخوذ من مدونة حاكم الشارقة نفسه، حتى لا نقول أن الناس قد تقوّلوا عليه، وفي العاصمة البرطانية لندن، وفي معرض كتاب عالمي، لا يمكن بأي شكل كان أن يخطئ في حق دولة بحجم الحجزائر، عمرها يزيد عن 10 آلاف عام، وتملك من القوة والتاريخ ما يستحي منه كثير من هذه الدول المجهرية، كما كان يسميها الرئيس الراحل هواري بومدين".
وأكد بلغيث أن "كلام غير موزون، ويحتاج إلى توبة منه واعتذار، لشعب الجزائر الذي عانى الأمرين من ديغول نفسه، أكبر المجرمين وأخطرهم على الإطلاق، فهو جعل الجزائر بؤرة توتر كبيرة جدًا على مستوى شمال أفرقيا، وأعطى الاستقلال لكل الدول الافريقية الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي من أجل أن يتفرغ للجزائر، لأنها كانت تمثل عمق استراتيجي كبير جداً ولا يمكن التفريط فيها".
وقال في نهاية حديثه "وكما قال الشاعر أدونيس الجزائر هي البلد الوحيد، الذي يعترف لها الكون، ليس فقط العرب، بأنها ثورة عملاقة، استطاعت أن تأخذ استقلالها بثمن غالي جداً".