ويضيف هاشم، لا يكاد أي مراقب محايد يجد مسوغاً مقبولاً لكل هذه الجمهرة من الخطابات والكليشيهات "الرصينة" التي تصدّع أسماع الشعوب العربية أواخر آذار من كل عام، خاصة وأن الوضع العربي الراهن يزداد تشتتاً وتمزّقاً في ظلّها، وأن اجتماع "القمة" بحد ذاته تحوّل إلى منصة روتينية للتطاول على شرفاء الأمة العربية، والاستبسال في التنازل عن حقوقها، وحلبة لتقديم العروض المجانية لـ"إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني ومصالح دول الطوق، بحيث باتت مسألة استعادة الأراضي العربية وحق الفلسطينيين في الدولة المستقلة والعودة، ميدان المقايضة الوحيد الذي يترامح أغلب الحكام العرب بالتراقص ضمن زواياه، دون وازع من اهتمامات قومية أو وطنية أو أخلاقية، وحتى دون تكبّد عناء العودة إلى أصحاب القضية الرئيسيين، ذلك أن حالة العجز المزمن التي باتت تطبق على هؤلاء الحكام لم تترك أمامهم مجالاً للمناورة إلا المبادرة للاقتطاع من الحقوق التاريخية للشعوب العربية، لتتحوّل هذه الجامعة، في السنوات الأخيرة، إلى ناد يستبدل الصراع العربي الصهيوني بالعداء لإيران، وتوسيع محور "الاعتدال" في مواجهة محور المقاومة.
ويتابع المحلل، كلنا يذكر بوضوح كيف تمّ التمهيد لذلك من خلال إبعاد سورية عن اجتماعات الجامعة على اختلاف مستوياتها وهيئاتها، وكيف اختطفت أنظمة الخليج مؤسسة الجامعة لكي تقيلها من مهامها ومسؤولياتها، وتمرّر، من ثمّ، ملف الأزمة في سوريا إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في محاولة لمصادرة إرادة الشعب السوري في التوصل إلى تسوية سياسية، وكيف استخدمت هذه الأنظمة الجامعة نفسها مطيّة للمشيئة الأمريكية بهدف تدويل الوضع في ليبيا وتسهيل بناء تحالف أطلسي دمّر بلداً جريرته أنه لا يطيب للسياسات الغربية والخليجية، وكيف أنها دعمت تشكيل تحالف سمته عربياً إسلامياً لا يزال يدك اليمن الشقيق يومياً بأطنان الأسلحة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.
أن "قمة" البحر الميت لم تكن هذا العام إلا قمة الأرض الواطئة حقاً…مهرجاناً للاحتفاء بالريالات النفطية الموعودة لدول منكوبة — قبل كل شيء- بخياراتها السياسية والتنموية التابعة والمرتهنة، وكيانات رجراجة مهتزّة لم ترقَ حتى الآن إلى مرتبة دول بلورت شخصية سياسية وطنية ثابتة ومستقرة، بحيث تعرف معنى التحالفات الاستراتيجية المبنية على مصالح حقيقية بعيدة المدى…هي أنظمة وظيفية اصطنعتها القوى الاستعمارية كي تكون امتداداً لأطماعها، وتتحوّل بتحوّلاتها، ولا تعي وحدتها إلا من خلال سوقها مجتمعة في الحظيرة الغربية.
ويختتم المحلل هاشم، صدر بيان ختامي أم لم يصدر…فلن يكون هناك حقّاً ما يمكن انتظاره، أو الشخوص إليه بالآمال والتوقّعات العريضة، ولن تنشد الجماهير العربية من هكذا تحشّدات وهمم إلا إمكانية الدفع بأضرارها بعيداً. يتفق السوريون واللبنانيون والفلسطينيون واليمنيون والعراقيون والليبيون، وحتى المصريون، على ذلك، فيما يتطلّعون إلى قمم جديرة بالتعبير عن طموحاتهم وأمانيهم في بناء مؤسسة قومية حقيقية تتبنى وتعزّز إنجازاتهم في التحرّر والانعتاق والمقاومة، بدلاً من أن تكون رأس حربة للجيوش الأجنبية في المنطقة، وصندوقاً لتمويل المؤامرات الخارجية، وحليفاً للقوى المتربصة شراً بالأمة.