لم يعد المشهد السوري ضبابياً كما كان عليه حتى فترة قريبة ماضية، فباتت صورة المشهد السوري السياسي والميداني واضحة تماماً من خلال تقاطعات المعارك في الميدان ، وتقاطعات المشهد السياسي الإقليمي والدولي ، التي تشير بشكل غير قابل للنقاش بأنها وصلت إلى مرحلة التوافقات الإقليمية والدولية لإيجاد حل حقيقي في سورية يضمن مصالح جميع الأطراف المتداخلة دون أن تعطى الفرصة بتنفيذ أجنداتها كاملة كما كان مخططاً في السابق.
من هنا لابد لنا من الإجابة على تساؤلات كثيرة تطرح نفسها بحكم واقع المتغيرات الحالية على أبواب إنعقاد الجولة الحالية من محادثات أستانة وأهمها:
أسباب الإقتتال بين فيلق الرحمن وجيش الإسلام الحقيقية ؟
وما دور الصراع القطري السعودي في هذا الإقتتال ؟
وما أسابب هذا الصراع أساسا ولم احتدمت المعارك بين أدواتهما ؟
مقترحات موسكو التي أتت على لسان المعارضة ، ماحقيقتها وما تأثيرها على الأرض ؟
لقاء الرئيسين بوتين وأردوغان كيف سيؤثر على سياق أستانة ؟
وثائق إجتماع طهران الفني للخبراء في 17.04.2017 هل ستجد لها طريقاً للتطبيق في أستانة ؟
الصراع الأمريكي التركي كيف سيؤثر على سياق أستانة ونحن رأينا عربية أمريكية تحمي الكرد من الجيش التركي؟
للنقاش في هذه الجدلية الجديدة نستضيف في حلقة اليوم كل من عضو المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية الأستاذ سومر صالح ، و نستضيف كذلك الأمر الخبير العسكري الإستراتيجي العميد علي مقصود.
يقول عضو المركز الدولي للدراسات الأمنية والجيوسياسية الأستاذ سومر صالح:
ما يميز مشهد أستانة "4" عن سابقية هو حجم التصدع الكبير في مواقف الأطراف الإقليمية التي يفترض أنها في خندق واحد، فالإقتتال السعودي القطري بالوكلة في الغوطة الشرقية ، والإعتداءات التركية على وحدات الحماية الكردية، والخلاف السعودي التركي بعد اتفاق كفريا والفوعة، يضع واشنطن في مأزق في طريقة التعاطي في الازمة السورية.
وأردف الخبير صالح قائلاً:
يبدو مشهد أستانة"4" مأزوم ، من هنا نفهم لقاء بوتين وإردوغان بالتزامن مع جولات أستانة"4" ، ونفهم أيضا إتصال بوتين وترامب ، فهو من جهة لوضع النقاط على الحروف في أستانة "4" ، ومن جهة أخرى على ما يبدو أنه تنسيق روسي أميركي للجم إردوغان ومخططه في الشمال السوري في تل أبيض بالتحديد، وهذا التنسيق إذا ما تم فهو يعول عليه في إنقاذ مسار أستانة "4" ، و إنقاذ هذا السياق برمته، بعد الانهيار الواقعي لوقف إطلاق النار الذي تلا مشهد أستانة "3" والتي تحاول روسيا عبر حزمة من المقترحات إعادة بث الحياة إلى إتفاق 29/12/2016, ولكن طالما الولايات المتحدة مصرة على تعطيل هذا السياق فإحتمالات نجاحه تبقى ضعيفة.
وختم الخبير صالحة بالتأكيد على أن النقطة الأكثر تأثيراً هو مدى نجاعة هذه الجولة في وضع مقترحات إجتماع اللجنة التقنية التي إجتمعت في طهران موضع التنفيذ.
أما الخبير العسكري الإستراتيجي العميد علي مقصود فيقول بهذ الصدد مايلي:
أولها الهزائم التي منيت بها هذه المجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية وبشكل عام بالأحياء الشرقية للعاصمة دمشق عندما حاولوا أن يهددوا العاصمة بإعادة ربط حي القابون بحي جوبر بإقامة طريق بري بعدما خسروا كل المعارك ، وبالتالي خسروا كل خطوط التماس التي تشكل خطوط إختراق متقدمة للعاصمة ، وتابع الجيش معركته في القابون لنيهيها ويوسع دائرة السيطرة على الغوطة الشرقية إلى البادية وصولاً إلى"اللجاة" ، مدمراً مواقع هذه المجموعات المسلحة التي كانت تقدم لهم الدعم اللوجستي بين الحين والآخر ، ما قطع الإمداد عنهم وأصبح هناك شحاً في عملية التمويل.
وأردف العميد مقصود قائلاً:
نحن ذاهبون إلى جولة رابعة في أستانا، في الوقت الذي فقدت فيه السعودية كل مرتكزاتها في الميدان السوري ، وانكشاف هزيمتها في اليمن والذي تجلى في الخلاف السعودي الإماراتي ، وكذلك أمر طرد الرئيس منصور عبد ربه هادي إلى اليمن ، وأنا اقول أن هناك جملة من العوامل الأخرى فالسعودية في سياق التفاهمات التي باتت تتبادر تحت الطاولة أرادت أن تتحرك بالتنسيق مع أمريكا ، التي أرادت مقابل المليارات التي دفعتها أن تعطيها دوراً في العملية السياسية على مستوى الإقليم ، ومن هنا أرادت السعودية أن تصادر الأوراق والملفات التي أعطتها أمريكا لتركيا في بداية الجلوس على طاولة الأستانة ، لقد أرادت أمريكا أن تضع حدا لتركيا وتتعطي بعض الأوراق للسعودية ، ظهر ذلك عندما بدأت هذه المعارك بين جيش الإسلام الوهابي والذي يحمل أجندة سعودية خالصة مئة بالمئة ، وأيضا فيلق الرحمن الإخواني العقيدة والنهج والذي يدعم من تركيا والمدعوم من جبهة النصرة المدعومة والممولة من قطر.
وإستطرد العميد مقصود قائلاً:
من هنا نرى أن قطر أرادت أن تبقي على دور تركيا رائداً في هذه الموضوع ، وأن تكون مجمل الأوراق والملفات قبل الوصول إلى أستانة بيد تركيا الراعي والضامن لهذه المجموعات المسلحة ، لذلك بدأ جيش الإسلام بهذه المعركة لكي يستحوذ على الأموال التي أرسلتها قطر إلى فيلق الرحمن وجبهة النصرة والتي تقدر حسب المعطيات ب 200 مليون دولار ، والأمر الآخر كي تنتقل المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة فيلق الرحمن وجبهة النصرة إلى تحت سيطرة جيش الإسلام ، وبالتالي يكون هناك مقدرة للسعودية على أن تفاوض وتساوم ، ولكي يكون لها وجود ، وأن تقتحم محادثات أستانة من خلال هذه السيطرة التي يحققها لها هذا الفصيل.
إعداد وتقديم: نواف إبراهيم