وأضاف "أدعو الجماعات المختلفة إلى أن تنتهج طريق الحوار والصداقة لبناء مستقبل يعمه الاحترام والأمن والسلام بعيدا عن أي شكل من أشكال الحرب".
وعانى الإيزيديون في الموصل من الاضطهاد والاحتجاز على يد تنظيم "داعش" الذي يعتبرهم من عبدة الشيطان.
من هم الإيزيديون؟
بسبب معتقداتهم غير المألوفة، غالبًا ما يشار إليهم بغير وجه حق أنهم "عبدة الشيطان"، وعمدوا إلى عزل أنفسهم في مجتمعات صغيرة انتشرت في مناطق متفرقة في شمال غربي العراق، وشمال غربي سوريا، والمناطق الواقعة جنوب غربي تركيا.
وحسب تقرير لـ"بي.بي.سي" فإنه من الصعب تقدير أعدادهم الحالية، التي تتراوح ما بين 70 ألفا و500 ألف. ومع ما يواجهونه من مخاوف واضطهاد وتشويه لصورتهم، فإنه ما من شك أن أعدادهم تناقصت بصورة كبيرة على مدار القرن الماضي.
وكما هو الحال مع ديانات الأقليات الأخرى في المنطقة، كالدروز والعلويين، لا يعتنق ديانة الإيزيدية إلا من ولد بها، ولا يمكن اعتناقها دون ذلك.
أما ما يواجهونه من اضطهاد مستمر في المنطقة التي يعيشون فيها في جبال سنجار غرب الموصل فيرجع في الأساس إلى الفهم المغلوط لحقيقة تسميتهم، حيث يعتقد المتشددون من "السنة"، أمثال تنظيم "داعش"، أن هذا الاسم يرجع إلى يزيد بن معاوية، ثاني حكام الدولة الأموية (647-683 ميلادية).
إلا أن دراسة حديثة أظهرت أن هذه التسمية لا علاقة لها بهذا الخليفة الأموي، أو حتى بمدينة يزد في فارس، بل هي مشتقة من الكلمة الفارسية "إيزيد" والتي تعني الملاك أو الإله.
لذلك فإن اسم الإيزيديين يعني "عبدة الرب"، وهو ما يعمد الإيزيديون من خلاله إلى وصف أنفسهم.
أما الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم فهو "الدواسين"، وهو اشتقاق من اسم "ديوسيس" —أو أبرشية- المأخوذ من المعتقد النسطوري الكنسي القديم في الشرق، حيث استنبط الكثير من معتقداتهم من الديانة المسيحية. كما أنهم يوقرون القرآن والإنجيل معا، بيد أن جزءا كبيرا من تراثهم يعتبر شفهيا.
وبسبب السرية التي تحيط بمعتقداتهم، فإن هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة بأن معتقد الإيزيدية المعقد له ارتباط بالديانة الزرادشتية المجوسية، بل وحتى عبادة الشمس. إلا أن دراسة حديثة أظهرت أنه وبالرغم من أن أضرحتهم غالبا ما تزين برمز الشمس، وأن مقابرهم تشير إلى جهة الشرق في اتجاه الشمس، إلا أنهم يستقون بعض شعائرهم الدينية من المسيحية والإسلام أيضا.
ويقوم البير، وهو مسمى يطلق على إحدى طبقات رجال الدين عند الإيزيديين، بتعميد الأطفال بمياه مباركة، كما أنه وفي مراسم الزواج يقسم رغيف خبز إلى نصفين يعطي أحدهما للعروس والآخر للعريس، وترتدي العروس فستانا أحمر وتزور الكنائس المسيحية.
وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول، يصوم الإيزيديون لثلاثة أيام قبل أن يشربوا الخمر مع البير. وفي الفترة ما بين الخامس عشر والعشرين من سبتمبر/ أيلول، يحج الإيزيديون إلى ضريح الشيخ عدي في لالش شمال مدينة الموصل، حيث يؤدون هناك بعض طقوس الاغتسال في النهر، وتقديم القرابين من الحيوانات، وعمليات الختان.
ويعرف إلههم الأعظم باسم "ئيزدان"، ويحظى بمكانة عالية لديهم بحيث لا يمكن عبادته بشكل مباشر، ويعتبرونه صاحب قوة كامنة، فمع أنه هو خالق الكون إلا أنه ليس حارسه.
وهناك سبعة أرواح أخرى تنبثق عن هذا الإله، أعظمها هو الملَك طاووس، المنفذ الفاعل للمشيئة المقدسة. وكان الطاووس في المسيحية القديمة يرمز إلى الخلود، لأن لحمه لا يفسد. ويعتبر الملك طاووس عند الإيزيديين تجسيدا لذات الإله ولا ينفصل عنه، لذا فإن هذه الديانة تعتبر من الديانات التوحيدية.
ويصلي الإيزيديون إلى الملك طاووس خمس مرات يوميا، كما أن عندهم له تسمية أخرى هي "الشيطان"، لذا فإن ذلك ما جعلهم معروفين خطأً لدى الناس بأنهم "عبدة الشيطان".
ويعتقد الإيزيديون أن الأرواح تنتقل داخل أشكال جسدية متعاقبة، وأن التطهير التدريجي ممكن من خلال التوالد الجديد وتعاقب الأجيال. ويعتبر أسوأ ما يصيب معتنق الإيزيدية أن يُطرد من مجتمعه، حيث إن ذلك يعني أن روحه لا يمكن لها أن تتجدد. لذا فإن اعتناق ديانة جديدة يعد أمرا غير وارد.
وفي المناطق النائية جنوب شرقي تركيا على الحدود مع العراق وسوريا، بدأت الحياة تدب من جديد في قراهم التي كانت مهجورة في السابق، وبدأت تشهد بناء منازل جديدة من قبل تلك المجتمعات أنفسهم.
وعلى الرغم مما يواجهونه من تضييق واضطهاد لقرون، فإن الإيزيديين لم يتركوا دينهم أبدا، وهي شهادة لهم على إحساسهم المتميز بهويتهم وقوة شخصيتهم.
وإذا ما طرد متطرفو تنظيم "داعش" الإيزيديين من العراق وسوريا، فإن هناك احتمالية أكبر لأن يستقروا في مناطق جنوب غربي تركيا، حيث يمكنهم هناك أن يمارسوا معتقداتهم في سلام.
قصة إبليس في الديانة الإيزيدية
وبحسب دراسة أعدها الباحث هشام بوتان ونشرها على الموقع الإلكتروني لراديو "سوا" يعتبر الإيزيديون أنفسهم طائفة موجودة منذ الأزل من نسل آدم وحده. إذ يعتقدون أن آدم وضع منيه في وعاء فأنبتت الذرية الإيزيدية منها ثم خلق الله حواء ليتزوج بها وينجبون بقية البشر من غير الإيزيدية، وهم بذلك يعتبرون أنفسهم نسلا له خصوصية.
وحسب الدراسة أيضًا تتفق الإيزيدية مع الإسلام في قصة رفض إبليس للسجود لآدم. ففي الرواية الإسلامية، أشار القرآن إلى هذه القصة في الآية (34) من سورة البقرة حين قال "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ". إلا أن الإيزيديين يختلفون في النتيجة التي وردت في الشق الثاني من الآية حيث لا يعتقدون أن رفض إبليس أدى إلى عقابه، بل على العكس؛ يعتقدون أن الله قد كافأ إبليس بجعله رئيساً للملائكة كونه الناجي الوحيد من الاختبار لأن الله كان قد طلب من الملائكة بعد خلقهم أن لا يسجدوا لغيره. وبعد خلقه لآدم طلب منهم السجود له كنوع من الاختبار الذي لم ينجح فيه إلا إبليس؛ وبالتالي استحق أن يجعله الله رئيساً للملائكة، أي (طاووس ملك) حسب الإيزيدية. وهم يصلون له خمسة مرات في اليوم.
وتقول الدراسة إن لدى الإيزيدية أماكنهم المقدسة مثل مزار شرف الدين في جبل سنجار، ومعبد لالش في شمال غرب الموصل، وهو المعبد الذي يحجون إليه. هم يتكلمون اللغة الكردية باللهجة الكرمانجية وهي تعتبر اللغة الرسمية لطقوسهم وشعائرهم الدينية. لهم تنظيم ديني وإداري وراثي قديم كما أنهم اختصوا بسنن وآداب ظهرت مزيجاً من عادات وتقاليد تشترك فيها مع ديانات مختلفة. بعضهم يقول بأنهم يملكون كتاباً مقدساً يسمى (مصحه في ره ش/الكتاب الأسود) أما الغالبية منهم فيؤكدون أنهم لم يروا هذا الكتاب رغم تأكيدهم على وجوده.
وتؤكد الدراسة أن الإيزيدية من الديانات الأصيلة في الشرق الأوسط وعدم وفرة المعلومات الكافية عن هذا الدين سببه عدم تحدث المؤمنين به عن معتقداتهم للغرباء بسبب تعرضهم المستمر لحملات الإبادة الجماعية على مر التاريخ والتي كان آخرها على يد تنظيم "داعش"، الذي لا يزال يحتجز الكثير من نسائهم وأطفالهم على شكل عبيد وجواري باسم الدين. وعلى الرغم من كل الظلم والاضطهاد الذي تعرضوا له إلا أن الإيزيديين ظلوا متمسكين بدينهم؛ فهم، كغيرهم من الأديان، يعتقدون بأن دينهم أو "الإيزيدياتي" هو سبيل الخلاص.