وفِي هذا الإطار، تحدث لـ"سبوتنيك"، المحاضر بكلية اللغات، بجامعة أفريقيا العالمية، الدكتور هيثم بابكر، ويقول إن" أصل كلمة النوبة، تعني أرض الذهب، وهذا الاسم أطلقه اليونانيون أو المصريون، ولكن يعتقد بعض المختصين، إن هذا القول، ضعيف نوعاً ما، حيث مازال الاختلاف بين المؤرخين حول أصل التسمية بل بعضهم نفاه تماماً، وأبرز هؤلاء المختصين، البروفيسور حسن الفاتح قريب الله في كتابه (السودان دار الهجرتين الأولى والثانية للصحابة)، وأرجع نفيه لهذه الفرضية لعدم وجود مراجع تثبتها، وأيضاً لوجود النوبة قبل ذلك التأريخ بل قبل وجود المصريين في تلك المنطقة، ويرجح البروفيسور قريب الله، أن التسمية قديمة وهي تطور تاريخي لكلمة (نوباي).
ويضيف بابكر، أن النوبة ينقسمون إلى ثلاث مجموعات: الأولى، هم "الفاديجا" و"الكنوز"، ويقطنون في المناطق الحدودية بين السودان ومصر، والثانية هم "الحلفاويون"، و"المحس"و"الدناقلة"، ويعيشون إلى الجنوب من المجموعة الأولى، وهذه الأسماء ليست أسماء قبائل بالمعنى المتعارف عليه ولكنها أسماء مناطق عرفوا بها فيما بعد عليها، والمجموعة الثالثة هم نوبة دارفور وهم "البرقد" و"الداجو" و "الميدوب"، وهناك أيضا نوبة بمناطق جنوب كردفان ويسمون ب"الأجن"، والمجموعتان الأخيرتان، نزحتا من شمال السودان إلى الغرب والجنوب منذ قديم الزمان، نتيجة حروب وعدم استقرار في الشمال، وإلى جانب كل هذه المجموعات تتشابه في اللغة بينهم إلى حد كبير مع اختلاف يسير في بعض الكلمات والمصطلحات.
وفِي ذات المنوال، تبرز، الدكتورة في التأريخ، بجامعة الخرطوم، إنتصار صغيرون، في حديث مع "سبوتنيك"، قائلة، "إن مناطق النوبيين بشمال السودان من المناطق المهمة في تاريخ البشرية، قامت فيها حضارة، تعد من أعظم حضارات العالم، وتمثل حضارة "كرمة"، قبل حوالي 3000 عام قبل الميلاد، أنتهت بقيام الدولة المصرية الثانية، حيث قامت بها ممالك عظيمة على مدى التأريخ، شكلت حضارتها وثقافتها الماثلة إلى اليوم، مثل مملكة "كوش" الأولى المتمثلة في كرمة، و"كوش" الثانية، المتمثلة في مملكة "نبتة" وممكلة "مروي"، ثم ممالك "نوباتيا" و"علوة "و"المقرة"، وقد حكم هذه الممالك ملوك عظام خلدهم التاريخ وأبرزهم (بعانخي) و(ترهاقا) و(شبتاكا).
وتضيف صغيرون، أن للمرأة النوبية، دور بارز في الحياة النوبية في الحضارات القديمة، الوقت الذي كانت تعاني فيه من الإضطهاد في بقية دول العالم، حيث يذكر التاريخ العديد منهن مثل (أماني شخيتو) و(أماني توري) و(أماني ريناس)، وهذا الإرث ما زال إلى يومنا هذا حيث للمرأة في السودان مكانة كبيرة في المجتمع مما مكْنها من تولي مهام عظيمة ومناصب عليا.
تشير صغيرون، إلى أنه، عندما دخل العرب المسلمون بلاد السودان، بقيادة الصحابي عبد الله بن أبي السرح، عبر اتفاقية الصلح (البقط)، ونشروا الإسلام حدث تمازج بين الثقافة العربية والنوبية، وتزاوج العرب مع النوبة، فآلت إليهم مقاليد الحكم فيما بعد حيث كان الملك يورث لابن الأخت، لذلك بالنظر إلى طريقة حياة النوبيين نجدها مزيجاً بين هاتين الثقافتين، وقد أهتم النوبيون كثيراً بالإسلام منذ دخوله إليهم وكانت خلاوى قبيلة المحس (جمع خلوة وهي مكان لتدريس القرآن الكريم وعلومه) ، من أول وأكبر وأهم الخلاوى التي نشرت الإسلام واهتمت بتحفيظ القرآن الكريم في السودان، كما خرج منهم دعاة كثر كان لهم دور بارز في نشر الإسلام في السودان ولعل أبرزهم المحسي (نسبة إلى المحس) الشيخ إدريس الأرباب، والذي يعرف في السودان بـ(سلطان الأولياء).
ويشرح الباحث في التراث النوبي، ومدير المنظمة النوبية للثقافة وإحياء التراث، الأستاذ محمد شريف، أن النوبيين، لهم إرتباط وثيق في حياتهم بالشيخ أو رجل الدين، حيث يعد الشيخ في المنطقة محوراً في المجتمع ويرجع إليه الناس لإستشارته في كثير من أمور حياتهم، ونيل البركة منه، لا سيما أمور الزواج والسفر والعمل وغيرها من الأمور الأخرى، كما أن الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، دائما تكون حاضرة بانتظام في ثقافة النوبين، خاصة في أغانيهم وترانيمهم في كافة مناسباتهم الإجتماعية.
ويضيف شريف، بقوله بإن الثقافة الفرعونية القديمة، نجدها حاضرة في جوانب عدة من عادات النوبيين، ومن ذلك ارتباطهم الوثيق بالنيل ويذهبون إليه في كافة مناسباتهم الاجتماعية من زواج وختان و وضوع وما شابه ذلك، حيث يبتغي النوبيون من النيل البركة والحفظ ويقال، إن هذه العادة مأخوذة من أجدادهم الفراعنة القدماء وبالتحديد من حادثة إلقاء والدة النبي موسى عليه السلام له في النهر على تابوت خوفاً عليه من فرعون.
وينبه شريف، بأن النوبيين يهتموا كثيراً بالغناء في كل مناسباتهم الاجتماعية حيث يغنون باللغة النوبية ولهم ايقاعات شهيرة عرفوا بها هي "الجابودي" و"الدليب" و"السيرة" وهو إيقاع حماسي ويستخدمون آلة (الطار) الإيقاعية و(الطنبور) الوترية، وكذلك في الأتراح يمارس النوبيون الغناء ولكنه يسمى بـ"المناحة "، حيث يعددون فيه مآثر الميت وفضائله مع مصاحبة الإيقاع بالضرب على آلات (القرع) الإيقاعية، إلا أن هذه العادة اندثرت الآن.
ويوضح شريف، أن للنوبيين أكلات شهيرة عرفوا بها وأبرزها (القُرًّاصة)، وهي فطيرة سميكة تصنع من دقيق القمح، وهو الغذاء الرئيس للنوبيين، إلى جانب التمور، حيث يعتبر التمر من أجود الأنواع في السودان، كما أن النخيل عندهم من مظاهر الاعتزاز اجتماعياً، وكل من يملك أشجار نخيل يعتبر من علية القوم، كما أكلات يشتهرون بها مثل: "التركين" و"الملوحة" و"الفسيخ"، وهي السمك المملح حيث يخزن في براميل كبيرة فترة طويلة من الزمن.
ولفت شريف، إلى فن العمارة لدى النوبيين، ويذكر أن في مناطق النوبة، وبالرغم من التقدم الحديث إلا أنها ما زالت محافظة على الأسلوب النوبي القديم حيث نجد الكثير من النقوش موجودة على المباني والتي تحوي رموزاً وأشكالا وأحرفا نوبية بعضها معتقدات والبعض بأشكال جمالية.