بيروت — سبوتنيك. تصاعدت حدة التوتر بين قطر والسعودية اليوم، بعد أيام من التراشق الإعلامي، حيث اتخذت الرياض، ومعها دول عربية أخرى، من بينها البحرين والإمارات ومصر، قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، وإجراءات أخرى من بينها حظر الطيران القطري.
وقال سكرية، الذي يتنمي إلى "كتلة الوفاء للمقاومة"، إن "ما يجري بين قطر والسعودية هو صراع ضمن الحلف الواحد على الدور، ما بين "الإخوان المسلمين"، المتمثلين بقطر وتركيا، وبين الوهابية، المتمثلة بالسعودية، والفريقان حلفاء للولايات المتحدة، ويعملان ضمن المشروع الأمريكي لصياغة شرق أوسط جديد".
وأضاف "في البدء، كان حصان السباق المعتمد عليه هم "الإخوان المسلمون"، بعد نجاحهم في الانتخابات في تونس ومصر، ومجيء (الرئيس المصري المعزول محمد) مرسي إلى الحكم، وتفجر الأحداث في سوريا، وكان الهدف إسقاط الدولة السورية، وتسليم "الإخوان المسلمين" الحكم".
وأشار سكرية، إلى أن "الرهان الغربي، الأمريكي والأوروبي، هو أن يحكم "الإخوان المسلمون"، بزعامة تركيا، العالم السني، بعنصريه التركي والعربي، وبذلك يتم إخراج إيران من الصراع، وضرب مبدأ فلسطين"، لافتاً إلى أن "الغرب كان يرى في "الإخوان المسلمين"، لا سيما أنهم متمثلون بتركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، والساعية للدخول في الاتحاد الأوروبي، والموافقة على حل الدولتين، وهو المشروع الأمريكي" لتسوية الصراع في فلسطين.
ورأى سكرية أن "الرهان على هذا المشروع (الإخواني)، سقط بسقوط محمد مرسي في مصر"، وهو ما استتبع تحوّلات بدأت في موقف السعودية التي "كانت تخشى على نظامها، في ظل المكاسب السابقة التي حققها الإخوان".
وأوضح سكرية، أن السعوديين كانوا يخشون من أن يحكم "الإخوان المسلمون"، بزعامة تركيا، العالم العربي، وأن تتراجع السعودية إلى الصف الثاني في لعب الدور المهم في العالم الإسلامي، وكذلك كانوا يخشون عزل الوهابية، وهذا السبب، برأيه، في أن السعوديين اختاروا دعم الرئيس عبد الفتاح السيسي فور سقوط محمد مرسي.
وأضاف النائب سكرية، أن "السعودية عادت لتلعب دوراً أساسياً، وأن تعيد الرؤية الاستراتيجية، كما أسماها الملك سلمان، مع الولايات المتحدة، والتي تستند إلى ما تعاهد عليه الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة السعودية، وثيودور روزفيلت، الرئيس الأمريكي الأسبق، بحيث تحمي الولايات المتحدة السعودية وتستمثر نفطها…في مقابل أن تبقى السعودية دائماً ضمن الحلف الأمريكي.
وفي هذا السياق، أشار سكرية إلى أن هذا التحالف ظل قائماً منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، وهو مستمر حتى يومنا هذا، مذكراً بـ "الدور السعودي في مواجهة حركة التحرر العربي ضد الاستعمار، فوقفت ضد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وانضمت إلى الحلف الإسلامي مع شاه إيران، وعند دخول الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان، وقفت السعودية إلى جانب الولايات المتحدة في القتال، عبر تجنيد المجاهدين العرب ضد ما سمّي الشيوعية الكافرة".
ورأى سكرية، أن "هذا الواقع، أعيد تجديده الآن، بتفاهم بين الملك سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومفاده أن السعودية ضمانة أمريكية، ويمكن لآل سعود أن يبقوا في الحكم، ولكن الثروات هي للولايات المتحدة، وامتداداً لذلك، السماح للسعودية بلعب دور أساسي في العالم الإسلامي، بعد سقوط مشروع "الإخوان المسلمين"، وحدوث تغيرات في سياسة تركيا، وهي تغيرات مرتبطة بوجود علاقات بينها وبين روسيا حول نقاط عدّة، تبدأ بقطاع الغاز والتبادل التجاري وتصل إلى تفاهمات أستانا وربما تسويات أخرى".
وأشار سكرية، إلى أن هذا التحالف المتجدد بين السعودية والولايات المتحدة "أثار قلق القوى المرتبطة "بالإخوان المسلمين"، لا سيما وقطر وتركيا"، لافتاً في هذا الخصوص إلى الموقف التركي المنتقد لصفقة التسلح الضخمة التي أبرمتها الرياض وواشنطن خلال الزيارة الأخيرة لترامب.
وأضاف سكرية، أن قطر شعرت كذلك بخوف على دورها الإقليمي، بعدما كانت "زعيمة الإخوان العرب، في بداية الأحداث في مصر وسوريا، وهي من بدأ الحرب في سوريا، وموّلها بداية، لإسقاط الدولة السورية، بحيث تكون هي مرجعية وقطب "الإخوان المسلمين" العرب المتحالفين مع "الإخوان المسلمين" في تركيا، لرسم مستقبل الشرق الأوسط، بالتحالف مع الولايات المتحدة والعالم الغربي".
وحول مستقبل هذا الصراع المتجدد، قال سكرية إن "قطر، من دون شك، تخشى على دورها، وتركيا لا تستطيع حمايتها، فالجهة الوحيدة القادرة على حماية قطر هي الولايات المتحدة، التي تملك قواعد عسكرية في هذه الإمارة الخليجية، وفي حال قررت سحبها، ونقلتها إلى الإمارات، ستصبح قطر بلا حماية، وسيُرفع الغطاء عنها، فيتحجم دورها، وتصبح الدولة الضعيفة، والخائفة على نفسها أمنياً، وليس على دورها المركزي في الشرق الأوسط فحسب".
وأعرب سكرية، عن اعتقاده بأن "قطر ستتراجع في النهاية، وستدخل في صلح مع دول الخليج، لكي تحافظ على حكمها".
وأوضح سكرية، أن "كل ذلك رهن بالموقف القطري، فإذا بقيت معاندة، وقررت مواصلة تخريب الدور السعودي، فمن المؤكد أن السعودية والإمارات ستكثفان الضغوط، وأما إذا انكفأت فيمكن أن تهدأ العاصفة، بحيث تفسح المجال أمام وساطة كويتية، على سبيل المثال، لرأب الصدع، وإتمام المصالحة، والعودة إلى ما كان الوضع عليه".
وفي المقابل، أكد سكرية أن "مشروع "الإخوان المسلمين" قد سقط، ولم يعد هو المعتمد من قبل الغرب".
ورداً على سؤال "سبوتنيك" حول تأثير ذلك على مجمل الأوضاع الإقليمية، لا سيما في ما يتعلق بإيران، قال سكرية "ليس متوقعاً أن تمد قطر يدها إلى إيران، في هذه الظروف، لأنها جزء من دول الخليج، ونظامها يتأثر بالأنظمة الخليجية، فإن سقطت تلك الأنظمة، فإن نظامها سيسقط لا محال".
وفي موازاة ذلك، أضاف سكرية أن "قطر هي حليفة لكل من تركيا و"الاخوان المسلمين" وحركة "حماس"، وكان ملفتاً أن الأخيرة تخلّت عن المبدأ الإيراني، القائل بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتبنت في وثيقتها الأخير مبدأ حل الدولتين، وهو مشروع أمريكي، يحظى بدعم تركي وقطري، وفي حال تمّ الدفع باتجاه حل الدولتين، فعلينا أن ننتظر المواقف والمتموضعات الجديدة، لا سيما الموقف الإسرائيلي، فإذا قبلت إسرائيل بحل الدولتين، سيتحجم دور "حماس" لصالح السلطة الفلسطينية، أما إذا رفضت إسرائيل هذا الحل، فسيكون وضع "حماس" صعب للغاية، وستكون في هذه الحالة أمام خيار من اثنين: إما الالتحاق مجدداً بمحور المقاومة مع سوريا وإيران، وهو ما يستوجب عليها القيام بنقد ذاتي حول موقفها من الأزمة السورية، أو القبول بالشروط الغربية".
ورداً على سؤال آخر، حول تأثير الأزمة الخليجية على الوضع في سوريا، قال سكرية إن "الإخوان المسلمين دورهم تراجع، ولكن يبقى الدور التركي المؤثر، لا سيما في منطقة إدلب، حيث توفر تركيا الدعم لجبهة النصرة، وكان طموحها أن تدخل الجزيرة، ولكن الولايات المتحدة اختارت دعم الأكراد في تلك المنطقة، لإقامة الدولة الكردية، وهذا ما يزعج تركيا".
وأضاف أن "تركيا، وفي ظل هذه التحولات الكبرى، مرغمة على تحديد سياستها بشكل واضح، لجهة التوصل الى تفاهمات مع روسيا حول قضايا محددة، وفي حال حصلت من روسيا على منظومة (أس — 400) فسيعد ذلك خرقاً جديداً للحلف الأطلسي، وسترسم سياسة استقلالية عن الغرب، عبر التخلي عن العلاقة العدائية التي كانت قائمة بينها وبين الاتحاد السوفييتي، وهي سياسة مناقضة للتوجهات الأوروبية والغربية".
وفي هذا السياق، أشار سكرية إلى أن ما سبق قد ينعكس على الموقف التركي من الأزمة السورية، موضحاً أن "تركيا لا ترغب في أن تكون إيران اللاعب الأكبر إقليمياً، خصوصاً أن الأخيرة صديقة لروسيا، فتركيا تريد أن تكون هي ذلك اللاعب الكبير، وبعد فشل مشروع "الإخوان المسلمين"، لا بد أنها ستسعى للبحث عن دور جديد، سواء بالتفاهم مع روسيا على دور ما، أو ربما عبر التوافق مع إيران، وهو ما يحتم عليها الاستقلال كلياً عن الحلف الأطلسي، وإن كانت في تلك النقطة الأخيرة بعيدة عن هذا الخيار، لكن كل الخيارات تبقى مرتبطة بالتحولات على الأرض".